سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

بريشته وتوقيعه

استمع إلى المقالة

كان فريق كبير من العرب، يضم أيضاً جزءاً مهماً من الفلسطينيين، يدعو إلى الاهتمام بالأقليات الإسرائيلية المؤيدة للحقوق الفلسطينية. وكان أكثر هؤلاء في الغالب من أهل اليسار المعتبر ولكن غير الفاعل. كان رأي ياسر عرفات أن مواقف المجموعات الصغيرة والأفراد العادلين يمكن أن تشكل مع الوقت قوة مؤثرة ورأياً عاماً فاعلاً على الصعيد الدولي.

لم تثمر هذه السياسة كثيراً بسبب التطورات داخل إسرائيل. لكن بعد حرب غزة برز عدد من الكتاب خصوصاً في صحيفة «هآرتس»، بالإضافة إلى الصحيفة نفسها، في تأييدهم المطلق للفلسطينيين ومعارضتهم اليومية لإبادات بنيامين نتنياهو. وحدث متغير بالغ الأهمية على الصعيد العالمي: الرأي العام الذي كانت تسيطر عليه إسرائيل بصفتها ضحية الإرهاب العربي، أخذ يخرج بمئات الآلاف في العواصم والجامعات مندداً بالإبادة. ونزعت دول مثل آيرلندا الأسماء اليهودية عن شوارعها وحدائقها. وأعلنت إسبانيا وسلوفينيا الانسحاب من مهرجان الأغنية الأوروبية ما دامت إسرائيل مشاركة فيها.

ليس في الذاكرة شيء يشبه هذا التحول. لكن قابله في الوقت نفسه التحول البالغ الخطورة الذي طرأ على المجتمع الإسرائيلي: لقد ازدادت فيه نسبة العسكرة والتوحش. وازداد اليمين فحشاً. وتكاثر العنف في المستوطنات. وتقديراً لأعماله طلب نتنياهو من رئاسة الدولة العفو عن جرائمه الصغيرة لقاء ما ارتكب من جرائم كبرى.

كان بعضنا يقول في الماضي إن الدلالة السيئة على إسرائيل ليست في نتنياهو، بل في المجتمع الذي اختاره تكراراً كأطول عهد في تاريخ إسرائيل. جاءت حرب غزة لتؤكد أن هذا المنحى ليس خطوة عابرة بل قرار جوهري. وقد وضع جزء كبير من الشعب الإسرائيلي توقيعه إلى جانب توقيع نتنياهو على أفظع الإبادات الجماعية في تاريخ البشرية. وقد صادف مرور 80 عاماً على قنبلة هيروشيما فاستعاد العالم صورها للمقارنة في مدى التعمد والتقصد والتوحش، فإذا هيروشيما وذرّتها مجرد لعبة أطفال وهواة أمام ركام غزة ومطامرها البشرية ومجاعاتها.

لم ينجح العرب مرة فيما نجحت فيه إسرائيل: رسم الصورة الحقيقية للتوحش من الأعماق.