إريك شميت وأندرو سوروتا
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

استبدال الذكاء الاصطناعي بالديمقراطية

استمع إلى المقالة

أصبحت ألبانيا أول دولة تتخذ خطوة حقيقية نحو «حُكم الخوارزميات» أو ما بات يُعرف بـ«الألغوقراطية»، أي الحكم عن طريق الخوارزميات. في سبتمبر (أيلول)، أعلن رئيس وزرائها أن جميع القرارات المتعلقة بتحديد المورّدين من القطاع الخاص، الذين سيمدون الحكومة الألبانية بالسلع والخدمات ـ التي تتجاوز قيمتها مليار دولار سنوياً ـ ستتخذها شخصية افتراضية للذكاء الاصطناعي تُدعى دييلا. في الواقع، لطالما عانت ألبانيا من الفساد، لا سيما في هذا المجال. وعليه، يجري النظر إلى دييلا الخوارزمية، غير المتحيزة والكفؤة، باعتبارها حلاً لهذه المشكلة.

تبدو هذه صفقة مغرية: حين تفشل الأنظمة الديمقراطية، تجري الاستعاضة عنها ببساطة بأنظمة خوارزمية. إلا أن هذا تفكير خاطئ؛ فرغم أنه بإمكان الخوارزميات تحسين الكفاءة، فإنها لا تستطيع الفصل بين القيم المتضاربة ـ جوهر القرارات السياسية الديمقراطية.

بدلاً من استبدال الذكاء الاصطناعي بالديمقراطية، يتعين علينا أن نستخدم الذكاء الاصطناعي لإعادة إحياء الديمقراطية، بجعلها أكثر استجابة، وأكثر اعتماداً على المشاورات، وأكثر استحقاقاً لثقة الجمهور.

للأسف، هذا ليس المسار الذي نسلكه اليوم؛ فالغالبية العظمى من البالغين في 12 دولة ذات دخل مرتفع أعربوا عن عدم رضاهم عن أداء أنظمتهم الديمقراطية.

وفي الوقت نفسه، تستمر أنظمة الذكاء الاصطناعي في التحسن بوتيرة سريعة. اليوم، لدينا بالفعل نماذج تتفوق على الأداء البشري في مجالات مثل الهندسة والتصوير الطبي. كما أصبح الجمهور أكثر إلماماً بهذه التكنولوجيا حتى وإن كان الأميركيون يستخدمونها بدرجة أقل بكثير مقارنة بدول أخرى، أبرزها الصين.

ربما لا يكون من المستغرب، إذن، أن يثق الناس حول العالم فعلياً بأنظمة الذكاء الاصطناعي الناشئة، أكثر من ثقتهم بالأنظمة الديمقراطية القائمة. وخلصت ثلاث جولات من استطلاعات الرأي أجراها مشروع الذكاء الجماعي (كوليكتف إنتيليجنس بروجيكت) بين مارس (آذار) وأغسطس (آب) 2025 إلى أن الناس يعتقدون باستمرار أن روبوتات الدردشة الذكية، قادرة على اتخاذ قرارات نيابة عنهم أفضل من ممثليهم المنتخبين.

إلا أن الاستعاضة عن النقاش الديمقراطي بالكفاءة الخوارزمية لا تحل الأزمة الأساسية، بل إنها تدفع بشكل من أشكال التباعد بين الناس والسلطة بديلاً عن شكلٍ آخر.

عندما تحدد الخوارزميات، مثلاً، كيفية توزيع الميزانيات أو تقديم المساعدات العامة من دون تفسير أو إمكانية للاستئناف، تكون النتيجة ذات الشعور بالتهميش وخيبة الأمل - تماماً كما الحال مع المؤسسات البعيدة وغير المستجيبة، لكن الآن لا يوجد من يُحاسَب. وعندما تُهمل كرامة الإنسان، تتعمق الانقسامات ويزداد تآكل الثقة.

اليوم، تُبنى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بشكل كبير، على نماذج أعمال حيث يحفز الصراع الإيرادات. ومع ازدياد قوة أنظمة الذكاء الاصطناعي وقدرتها على التلاعب الآيديولوجي، تتفاقم حدة هذه التهديدات.

ومن أجل إنقاذ الديمقراطية، تحتاج أميركا إلى مسار مختلف: مسار يستخدم الذكاء الاصطناعي لمنح الناس صوتاً أكبر في خياراتنا السياسية وتحقيق نتائج أفضل.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد في جعل الحكومات أكثر فعالية، من خلال تقليص البيروقراطية، وتحسين الخدمات العامة، وفتح عملية صنع القرار أمام الجمهور. في تايوان، أمضت منصة «في تايوان» أكثر من عقد في إظهار كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعزز المداولات الديمقراطية، بدلاً من أن يحل محلها.

عندما وصلت شركة «أوبر» إلى تايوان عام 2013، أثارت نفس الصراعات التي اندلعت في مدن حول العالم: سائقو سيارات الأجرة ضد الركاب، والشركات القائمة ضد الوافدين الجدد، والتنظيم ضد الابتكار. وبدلاً من السماح للأصوات الأعلى بالهيمنة أو ترك جماعات الضغط والبيروقراطيين يتخذون القرارات خلف الأبواب المغلقة، استخدمت تايوان أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتسهيل شكل من أشكال المداولات الجماعية. الحقيقة أن الديمقراطية لطالما كانت محدودة باللوجستيات: لا يمكنك استيعاب ملايين الأشخاص في غرفة واحدة؛ لا يمكنك جعل الجميع يتحدثون؛ لا يمكنك معالجة هذا العدد الكبير من وجهات النظر. الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على إزالة الكثير من هذه القيود من خلال تلخيص آلاف التعليقات العامة، وتحديد الاهتمامات المشتركة، ومساعدة صانعي السياسات على فهم أولويات الناخبين.

كما يتيح الذكاء الاصطناعي النصوص التشريعية في متناول المواطنين العاديين، وشرح التنازلات بلغة واضحة، ومساعدة الناس على التعبير عن تفضيلاتهم، بل يُمكنه توسيع نطاق المداولات عبر المناطق الجغرافية واللغات، ما يجعل التنسيق العالمي ممكناً بطرق لم تكن مُتصورة سابقاً.

إلا أن نافذة هذا المسار ليست مفتوحة. فكل شهر تظل فيه الديمقراطيات مُعطلة بينما تتحسن قدرات الذكاء الاصطناعي، تُصبح الخوارزمية أكثر جاذبية.

في الواقع، لا يتطلب مستقبل الديمقراطية منا رفض الذكاء الاصطناعي، بل على العكس تماماً. نحن بحاجة إلى الذكاء الاصطناعي لجعل الديمقراطية تعمل في القرن الحادي والعشرين. إلا أنه يتعين علينا كذلك توخي الحذر بشأن ما نطلبه من الذكاء الاصطناعي، ليس لاتخاذ القرار نيابة عنا، بل لمساعدتنا على حكم أنفسنا بشكل أفضل.

* خدمة «نيويورك تايمز»