مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT
20

عبير الكتب: الجرمزة والفهلوة والجمبزة!

استمع إلى المقالة

مازال حديثنا عن كتاب (أقوالنا وأفعالنا) لعلامة الشام محمد كرد علي، وكانت وقفتنا أمس عن معضلة حروب الطوائف في بلاد الشام، وكيف رسم ببراعة المشهد المريض، ووصف له الدواء الناجع.

كان ذلك عام 1945 سنة تأليفه الكتاب. واليوم نكمل مع كرد علي تشخيصه الدقيق للأمراض الاجتماعية وقته، وكأنه يتكلم اليوم.

خصص المؤلف فصلاً عن صناعة الإعلان، وحداثتها ونشأتها في الغرب، وقيامها على التزييف والمبالغة بل الكذب أحياناً.

يقول مثلا: «يتخذون أشخاصاً عرفوا بطلاقة اللسان يلبسونهم بزةً طريفة ليلفتوا الأنظار إليهم، فيتوهمهم العامة، لأول وهلة، من السادة والقادة، فيرفع المعلن عقيرته في الجادات والساحات يتكلم فيما يحاول الإعلان عنه، ومن الإعلان تلك النشرات المطبوعة على ورق ملون يوزعونها في المقاهي والمطاعم، وفي كل محل يغص بالمرتادين».

ثم يهاجم المؤلف، الذي كان صحافياً معروفاً وليس خاملاً، فوق كونه من كبار العلماء، أي أنه لا يعاني من فقر في الشهرة والانتشار، لكنه يصف العلة بشفافية وتجرد، علة تفشي الخفة، واستفحال صناعة الترويج والإعلان، بصرف النظر عن «المحتوى» كما يقال في لغة اليوم!

يقول كرد علي، وبارك الله فيما قاله قبل 80 عاماً، لك أن تتخيل! قال: «ولكَم شُوهد الرجل الذي يُتوقع الخير على يديه قابعاً في كسر بيته، خامل الاسم منكَر الشخصية لا يعرفه غير أهله وأصحابه؛ وهذا لأنه ما أحسن الإعلان عن نفسه، ولم يهيئ له جماعة يعلنون عنه، فلم تتعد شهرته أهل حيِّه أو من سمعوا به بالعرض. وطالب الشهرة يحتاج، في الغالب، من فنون (الجربزة) إلى أكثر مما يحتاج الرجل المتزن من أدوات الفضل».

والجربزة، واضح أن المقصود بها الفهلوة كما في المصري أو الجمبزة كما في الخليجي! فما أكثر «المجربزين» اليوم أستاذ كرد علي! يقول أستاذنا وعلامتنا: «يَقِلُّّ في الناس من يعطي الحق لصاحبه وينصف فيما له وعليه؛ ذلك لأن العوام ممتحنون بالإفراط والتفريط، و(الجاهل إما مفرط أو مفرِّط)، ولا يُعرف الاعتدال في غير أرباب العقل والعلم، وقليلٌ ما هم».

ألا تشعرون أن هذا الحديث ينطبق اليوم، أكثر من وقت تأليف الكتاب، على غالب مشاهير السوشيال ميديا والفن بل وحتى المتطفلين منهم على التاريخ والفكر اليوم؟!

لقد نظر لهم المؤلف بصفتهم: «لصوصاً في مظهر حَمَل وديع، لا يتعففون عن بيع المروءة في أقل عرض تافه».

معشر أشبهوا القرودَ ولكنْ

خَالفوهَا في خفةِ الأرواحِ!