عندما يتوجع المريض يَطلب منه الطبيب وصف مقدار الألم على مقياس من 10 (شديد جداً) إلى 1 (الأقل شدة)، لأن الأرقام لا تكذب. إذ إن الدقة مطلوبة لتحديد الوجهة التالية من الإجراءات والأسئلة. حينما تنتاب المرء نوبات غضب أو ضجر أو حزن أو إحباط يصبح من المفيد كتابة المواقف وتحديد شدة وقعها النفسي علينا باستخدام مقياسٍ من عشرة. وذلك حتى يمكن تحديد ماذا يزعجنا نفسياً أكثر من غيره. عدم معرفة مكمن المشكلة يُصعّب طريق الحل.
الرقم هو الذي طوّر دقة الصواريخ مثل «كروز»، الذي يناور بين المباني والتضاريس ليصل إلى هدف بفضل دقة الإحداثيات. وأخبرتنا الأرقام أن الناس يبكون في سوق الأسهم على المدى القصير ويفرحون بعد جني ثمار استثمارات طويلة المدى. إذ أظهرت الإحصائيات أن الأسهم ترتفع بعد عقود، رغم الحروب والأزمات، ويقع ضحية المضاربات والاضطرابات العابرة مَن لا يدرك مخاطر الأمد القصير.
العالِم المسلم الخوارزمي أسَّس علم الجبر والخوارزميات التي تُستخدم اليوم في كل شيء، من تشفير البيانات إلى الذكاء الاصطناعي. وساعدت خوارزمياته في بناء نظم المعلومات المعقدة وتطوير تقنيات مثل محركات البحث والأجهزة الذكية. لطالما كنت أتخيل ماذا سيكون واقعنا لو أن الخوارزمي سمع واستجاب لمن كان يتندر على تخصصه ورياضياته؟!
الذكاء الاصطناعي ارتكز بشكل أساسي على أرقام هائلة وخوارزميات تم تدريب النماذج الذكية عليها.
ولولا الأرقام لما دُهشنا من تقنية التعرف على الوجوه، والبرمجيات. وبفضل الرقم صار في مقدور الحكومات تتبع الحالة الصحية للشعوب، حيث تمكنت إحصائياتها من وضع استراتيجيات علاجية ووقائية، أنقذت نصف البشرية من جائحة كورونا.
حتى الصفر، الذي طوَّر استخداماته الخوارزمي، هو البذرة التي تنطلق منها كل الأرقام. وقد مهَّد الطريق أمام إجراء حسابات دقيقة في شتى العلوم.
من العلوم النفسية عرفنا أن الشخصية التحليلية والواقعية تُقنعها المعلومات الكمِّية والملموسة أكثر من الكلام مهما كان مُقنعاً. والأمر نفسه ينطبق على الباحثين.
حتى مؤشرات الأداء في الإدارة قائمة على الأرقام والنِّسَب. فعندما نضخ دولاراً في الإعلانات ينبغي أن نحقق ثلاثة أضعاف ذلك في المبيعات وفقاً لمؤشر العائد على الاستثمار الإعلاني (ROAS). نسبة شكوى عميل من بين ألف عميل لا تكاد تُذكَر ولا يُعتدّ بها كمؤشر خطير في الأداء. وفي كل قطاع هناك مؤشرات رقمية تناسبه.
كما أن «تكرار» النقد في ثنايا الكلام، تصريحاً وتلميحاً، يعود فضله إلى الأرقام التي يؤدي تجاهلها إلى تمادي المتحدث.
والرقم هو من يهمس في أذنك: لا تصدِّق مَن يكذب أكثر من مرة!