جاميل بوي
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

مشكلة نظرية المؤامرة تكمن في الواقع

استمع إلى المقالة

العام الماضي، قال شيهي في أثناء فعالية أقيمت في نيويورك: «أيها الشباب، أنصتوا جيداً، لقد جرى غسل أدمغتهم لفترة طويلة للغاية. لم نعد نحاول حتى التحدث إليهم».

إن هذه الفكرة، التي مفادها أن الناخبين الشباب جرى غسل أدمغتهم على نحو دفعهم لرفض الجمهوريين والأفكار المحافظة، تحظى بتأييد كبير لدى اليمين السياسي.

الشهر الماضي، ورداً على اقتراحات تفيد بأن المؤسسات تخضع لسيطرة آيديولوجيين يساريين، أعلن دان كرينشو، عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري من تكساس، أن «اليسار حول التعليم العالي إلى أداة للتلقين، وليس التعليم»، وأن «اليمين يحتاج إلى المقاومة»، و«تحدي الخناق الآيديولوجي على التعليم»، خشية أن تستمر «النخب المتيقظة سياسياً» في «دفع الأفكار اليسارية غير العقلانية قدماً».

العام الماضي، أخبر إيلون ماسك متابعيه، الذين يفوق عددهم 100 مليون شخص عبر منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الآباء لا يدركون مستوى التلقين السوفياتي الذي يتلقاه أطفالهم في المدارس الثانوية والكليات النخبوية».

من السهل أن نفهم الخوف الحقيقي بين الأميركيين العاديين من أنه بمجرد خروج أطفالك من المنزل، سيتبنون أفكاراً وهويات لا تتناسب مع ما تخيلته لحياتهم. إلا أن هذا ليس ما نعاينه هنا. ما لدينا هنا، متمثلاً في هذه الأصوات المحافظة والجمهورية، هو إصرار ينطوي على شعور بالبارانويا أو جنون الاضطهاد، على أن مؤسسات التعليم العالي في البلاد تسعى منذ أمد بعيد لتلقين الطلاب وإخماد الميول المحافظية.

أما المشكلة في نظرية المؤامرة هذه، بالطبع، هي الواقع. أولاً: الغالبية العظمى من الشباب الذين يلتحقون بمؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة ليسوا مسجلين في كليات وجامعات النخبة، بل ليسوا مسجلين حتى في مؤسسات تنافسية أو نخبوية. بدلاً عن ذلك، يلتحق معظم طلاب الكليات بمدارس أقل انتقائية، حيث تكون برامج الدرجات العلمية الأكثر شعبية هي برامج مثل إدارة الأعمال أو التمريض أو الاتصالات؛ وليس تخصصات العلوم الإنسانية، التي يلقى عليها اللوم عن التلقين المزعوم للشباب.

وحتى لو كان طلاب الجامعات في البلاد يتدافعون لدراسة التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والآداب وغيرها من التخصصات المماثلة، فهناك الكثير للغاية من الطلاب، والكثير للغاية من الفصول الدراسية - والكثير للغاية من المعلمين - بحيث ينبغي للمرء أن يتوقع ظهور بعض الدلائل على حدوث تلقين بمرحلة ما، في مكان ما. ومع ذلك، فإنه حتى تلك المنظمات المحافظة المكرسة لتتبع ومراقبة أساتذة الجامعات، تكافح بشدة للعثور على دليل يشير إلى أي شيء يشبه غسيل المخ على الطراز السوفياتي، الذي وصفه ماسك وغيره من المحافظين من أنصار حركة «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

وإذا كانت غالبية الشباب في الولايات المتحدة، كما يشير أحدث استطلاع رأي من معهد هارفارد للسياسة، يرفضون آراء الحزب الجمهوري بخصوص الإجهاض أو التغيرات المناخية أو الرعاية الصحية أو تنظيم امتلاك الأسلحة النارية، فإن هذا ليس لأنه جرى تلقينهم عقيدة معارضة للتوجهات المحافظة الآيديولوجية، بل لأنهم، مثل جميع الناخبين، توّصلوا إلى استنتاجات معينة حول العالم، استناداً إلى تجاربهم الشخصية.

ليس من الضروري أن تكون المرأة الشابة التي تتطلع إلى مستقبلها، مغسولة دماغياً كي تقرر أنها تريد الحق في تقرير متى وما إذا كانت تريد إنجاب طفل. كما أن الشاب الذي لا يزال يتذكر حوادث إطلاق النار بالمدارس وتدريبات إطلاق النار في المدرسة، لا يحتاج إلى التلقين ليقرر أنه يريد المزيد من السيطرة على امتلاك الأسلحة.

وإذا كان الجمهوريون في ورطة مع الشباب، فذلك لأن الجمهوريين لا يستجيبون لمصالح الشباب. على سبيل المثال، تكشف استطلاعات الرأي باستمرار أن التغيرات المناخية تشكل القضية الرئيسة لدى الناخبين الشباب. ومع ذلك، نجد أن الساسة الجمهوريين لا ينكرون حقيقة أن التغيرات المناخية من صنع الإنسان فحسب، بل إنهم يعمدون إلى نشر الأكاذيب ونظريات المؤامرة الهادفة إلى إخفاء حقيقة أن التغيرات المناخية تقف وراء بعض تنامي حدة الأحداث الجوية، مثل إعصاري هيلين وميلتون.

ويمكن استنتاج الملاحظة نفسها بخصوص مجموعة من القضايا المختلفة، التي ينحرف فيها الشباب عن مسار الحزب الجمهوري. هنا، لم يجرِ تلقينهم؛ وإنما ببساطة لديهم احتياجات ورغبات يرفض الجمهوريون الاعتراف بها أو التعامل معها. الأمر نفسه ينطبق على أي مجموعة من الناخبين. في الواقع، هكذا تعمل الديمقراطية فحسب. إلا أن الجمهوريين، من جهتهم، لسان حالهم يقول: لماذا تسعى لكسب أصوات الناخبين عندما يمكنك ترسيم الدوائر الانتخابية لحزبك على نحو يضمن أغلبية تشريعية دائمة؟ ولماذا تحاول إقناع الناخبين برفض استفتاء لا توافق عليه، عندما يمكنك بدلاً عن ذلك محاولة تغيير القواعد وقتل الاستفتاء قبل أن يتحول إلى واقع؟ ولماذا تهدف إلى الفوز بأغلبية وطنية واسعة عندما يمكنك الفوز بنصر محدود في الولايات الحاسمة؟

الحقيقة أن السمة المميزة للحزب الجمهوري الحديث، إلى جانب تفانيه في خدمة دونالد ترمب، الافتقار العميق إلى الثقة بقدرته على التنافس على أغلبية الأصوات على مستوى البلاد ككل، في حين يعجز عن رؤية ما هو خارج شرنقته الآيديولوجية. ويرفض الجمهوريون فكرة أن الناخبين قد يكون لديهم خلاف مشروع مع آرائهم، ولا يبدو أنهم يعتقدون أنهم قادرون على إقناع أي شخص يختلف معهم. وهكذا يقررون أن الجمهور المعني قد جرى غسل أدمغته أو غرس أفكار معينة فيه أو تضليله بطريقة أو بأخرى، بعيداً عن النور الساطع المزعوم للحزب الجمهوري.

* خدمة «نيويورك تايمز»