سلطان الراشد
TT

تكريم العظماء... إبراهيم بن عيسى مثالاً

استمع إلى المقالة

يُثمن عالياً لدارة الملك عبد العزيز ما تضطلع به تجاه قامات علمية خدمت تاريخ المملكة العربية السعودية، ومن بين أبرز هؤلاء العلامة النسابة المحدث الفقيه الشيخ الموسوعي إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد الله بن عيسى بن علي بن عطية. من بني زيد من قضاعة من قحطان.

أما نسبه من جهة أمه فأخواله آل فريح من تميم، ووالدته هي منيرة بنت عبد الله بن راشد بن عبد الله الفريح رحمهم الله.

وقد جاء على لسان معالي المستشار بالديوان الملكي والأمين العام المكلف لدارة الملك عبد العزيز الدكتور فهد بن عبد الله السماري في كلمته التي افتتحها لتدشين الأعمال الكاملة للعلامة إبراهيم بن عيسى بحضور نخبة من العلماء ووجهاء المجتمع في احتفالية كبرى برعاية وحضور الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز.

جاء على لسان معاليه أن هذا الجمع جاء للاحتفاء بحدث ثقافي يبرز تراثنا الغني في العلم والمعرفة، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية، منذ تأسيسها، تسعى لجعل العلم والمعرفة أساساً لبناء الدولة، وأنه تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، شهدت المملكة نهضة شاملة في المجالات كافة التي كان من أهمها مجالات التراث الوطني.

‏وأضاف السماري: «وفي هذ السياق، نحتفي بالشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، الذي وُلِد عام 1854 في أشيقر وترك مؤلفات قيمة ذات صبغة موسوعية، حيث تغطي موضوعات متنوعة وتناسب جميع مستويات الطلبة»، مشيراً إلى أنه من هذا المنطلق فقد أطلقت دارة الملك عبد العزيز مشروع «الأعمال الكاملة للمؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى» بهدف توثيق تراثه وتعزيز الروح العلمية في المجتمع، وعبّر عن أمله في أن يسهم هذا العمل في تقديم مادة علمية وتراثية قيمة للجميع.

ارتحل الشيخ إبراهيم بن عيسى في مطلع شبابه للبلدان القريبة والبعيدة لطلب العلم، فقرأ على أعيان علماء الوشم، ثم المجمعة في نجد فقرأ على علمائها، ومنها رحل إلى عُنيزة في القصيم للأخذ عن علمائها، ومنها توجه إلى الأحساء وتلقى العلم على أبرز علمائها، عيسى بن عكاس، ولازمه عشر سنين ثم عبر البحار إلى بلاد الهند لتلقي العلم على أبرز علمائها آنذاك السيد صديق حسن خان ولازمه سنتين وقرأ على غيره من علماء الحديث هناك، ثم عاد واتجه صوب العراق وقرأ على علماء الحنابلة في بغداد والكوفة والبصرة، وحطّ رحاله في الزبير فطاب له السكنى فيها ولازم علماء الحنابلة وكان أبرز مشايخه صالح بن حمد المبيض الزبيري، ومن الزبير ارتحل إلى الحجاز فتلقى العلم على علماء المسجد الحرام وكان من أبرز مشايخه ابن عمه أحمد بن عيسى، ثم اتجه مرتحلاً إلى عنيزة فاستوطنها وحل ضيفاً على صالح بن عثمان القاضي ولازمه في حلقاته كلها. ثم اتجه لتدريس طلابه في شمال جامع عنيزة علوم الفرائض والحديث واللغة العربية وآدابها والنحو والصرف، وكان يدرس العلم في بلدته أشيقر في جامع البلد في أول النهار وفي المسجد الجنوبي آخر النهار، فكان طلاب العلم يفدون عليه من أرجاء نجد وغيرها لينهلوا من غزير علمه في أشيقر وشقراء وعنيزة، وعرف عنه أنه لا يمل التدريس والبحث وكتابة التاريخ والأنساب.

وكان يحتفظ بكراسة في جيبه وقلم من الفحم يقيد فيه كل شاردة وواردة حتى جمع تلك المدونات في مجموعات كبيرة.

‏تلقى علوم التوحيد والفقه والحديث والفرائض والنحو والشعر والأدب وتاريخ العصور القديمة والحديثة آنذاك على أبرز المشايخ والعلماء. ومنهم:

- أحمد بن إبراهيم بن عيسى قاضي المجمعة

- علي بن عبد الله بن عيسى قاضي شقراء

- عيسى بن عكاس قاضي الأحساء

- صالح بن حمد المبيض قاضي الزبير

- صديق حسن خان من علماء الهند

- صالح بن عثمان القاضي في عنيزة

كانت له مكتبة تحتوي على نفائس المخطوطات النادرة والكتب القيمة جمعها شرقاً وغرباً، وبها كتب نسخها بخط يده تحتوي على كنوز من المعرفة والعلم لا تقدر بثمن.

‏ينظم القصائد والأشعار، ويعد أحد المفتين في عصره. وله جهود في الإرشاد والتوجيه والنصح. وكان ذا قناعة وزهد في الدنيا ولا يرغب في المناصب بل تباعد عنها، وقد طلب منه أعيان عنيزة أن يتولى القضاء في مدينتهم مرتين فاعتذر. ‏عمل في الزراعة وغرس النخيل لتوفير لقمة العيش له ولأسرته. وأثنى عليه علماء عصره ومن بعدهم بكل جميل.

وهذا التكريم كان مستحقاً لهذه القامة العلمية الكبيرة والمؤثرة. وكان ختام ذلك التكريم ختام مسك من خلال الكلمة التي ألقاها معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء، كلمة أسرة المؤرخ إبراهيم بن عيسى عبّر فيها عن شكر أسرة المؤرخ وامتنانها لدارة الملك عبد العزيز على هذا التكريم الذي يحتفي بإرث والدهم العلمي، مؤكداً أن هذا الإصدار يمثل توثيقاً لمسيرة طويلة من البحث خاضها المؤرخ في العديد من النواحي العلمية بكل دقة وموضوعية، معبراً عن فخر الأسرة بأن يكون هذا العمل مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين بالتاريخ السعودي والثقافة الوطنية، كما أثنى على جهود دارة الملك عبد العزيز في تحقيق هذا المشروع الضخم، معتبراً أن هذا التكريم هو تأكيد على أهمية العلم والمعرفة في تعزيز الهوية الوطنية.

وفي ختام الحفل، قدّم معالي الأستاذ خالد بن عبد الرحمن العيسى، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، هديةً تذكارية من أسرة المؤرخ بن عيسى للأمير فيصل بن سلمان تقديراً لرعايته الكريمة، ثم التقطت الصور التذكارية.

بقي أن نعرف أن بداية هذا التكريم كانت بتوجيه من الملك سلمان بن عبد العزيز، سلمه الله، الذي زار الدارة كعادته ثم وقف طويلاً أمام مؤلفات وكتابات ذلك الإرث العظيم للعلامة الشيخ إبراهيم بن عيسى، رحمه الله.

وهي دعوة للباحثين لتسليط الضوء على إرث هذا العلم والعلامة الجليل ودعوة للمحققين في جامعاتنا السعودية لإبراز نتاج هذا الشيخ وإخراجه للملأ، بخاصة المخطوط منها، ودعوة للمثقفين للوقوف على موروث هذا العالم الجليل الذي يمثل حقبة عاصر فيها تأسيس الدولة السعودية اليوم، التي نتفيأ ظلالها بفضل الله ومنته.

رحم الله العلامة الشيخ إبراهيم بن عيسى، ووفق الله أبناءه وأحفاده، وبارك الله في دارة الملك عبد العزيز والقائمين عليها على اهتمامها وبحثها عن كل ما يفيد المجتمع وطلاب العلم وإبراز نتاجات علماء كانت لهم اليد الطولى في بناء هذه الدولة الفتية اليوم، التي نعيش وننعم في خيراتها، حفظها الله وحفظ ولاة أمورنا، ومن تميز إلى تميز ومن تطور إلى تطور وتقدم.