اختُتمت الأسبوع الماضي في الرياض أعمال قمة الذكاء الاصطناعي، التي نظمتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، بحضور أكثر من 400 متحدث من نحو 100 دولة، وجلبت هذه القمة العقول النابغة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ لمناقشة هذا المجال الذي لا يكاد العالم يلتقط أنفاسه أمام تغيراته السريعة والمتوالية، وقد ألقت القمة الضوء على مواضيع مهمة مثل الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، وأخلاقيات هذا المجال ودور الحكومات في تنظيمه، ولعل أحد أبرز الموضوعات التي بدأت في الظهور خلال الأشهر الأخيرة، ونوقشت خلال القمة، هو أثر الذكاء الاصطناعي في خدمة القطاع الحكومي، وما هي الفرص والمعوقات لذلك.
كغيره من القطاعات، يمكن أن يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً كبيراً في عمل القطاع الحكومي، من خلال زيادة الكفاءة، وتحسين تصميم السياسات، وتقديم الخدمات، ومن خلال أنظمته، يمكن للحكومات أتمتة المهام المتكررة، مما يقلل العبء على العاملين ويزيد من دقة وسرعة عمليات اتخاذ القرار، فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين العمليات الداخلية من خلال تبسيط المهام الإدارية المعقدة، مما يسمح للموظفين الحكوميين بالتركيز على العمل الاستراتيجي، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات لتوليد رؤى تساعد الحكومات في اتخاذ قرارات أكثر وعياً، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين نتائج السياسات من خلال السماح بتوجيه أفضل للنفقات الاجتماعية والاستثمارات، مما يؤدي إلى تحسين تقديم الخدمات وفعالية السياسات العامة.
ويوفر الذكاء الاصطناعي عدداً من الفوائد المحتملة للقطاع العام، وتشمل هذه الفوائد زيادة الكفاءة والإنتاجية من خلال أتمتة المهام الروتينية مثل معالجة الطلبات وإدارة السجلات والوظائف الإدارية الأخرى، مما يتيح تحرير الموارد البشرية للتركيز على اتخاذ القرارات والتخطيط الأكثر تعقيداً، ويمكن أيضاً أن يُحسن الذكاء الاصطناعي صياغة السياسات وتنفيذها بفضل قدرته على معالجة البيانات، وتتيح هذه القدرة للحكومات فهم أفضل لاحتياجات الجمهور والتنبؤ بالاتجاهات المجتمعية وتصميم سياسات أكثر مرونة وأسرع استجابة.
وعلى الرغم من الفوائد، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومة يأتي مع كثير من المخاطر، يمكن أن تكون الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي غير محايدة إذا كانت البيانات التي تم تدريبها عليها منحازة، مما يؤدي إلى نتائج سياسات غير عادلة ومتناسبة، ويؤثر ذلك على الدول التي تطمح إلى تعديل سياساتها دون امتلاك مخزون كافٍ من البيانات، كما أن أحد المخاطر المحتملة هو أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على كميات هائلة من البيانات الشخصية، وهو ما يمس الخصوصية وأمن البيانات، وقد يؤدي التعامل غير السليم مع البيانات إلى انتهاكات أو سوء استخدام المعلومات الحساسة، وأخيراً، فإن تعقيد أنظمة الذكاء الاصطناعي يجعل من الصعب على الجمهور فهم كيفية اتخاذ القرارات، مما يثير القلق بشأن الشفافية والمساءلة.
وتفعيل دور الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي لا يأتي دون معوقات، فتبنّيه يتطلب قوة عاملة مؤهلة قادرة على إدارة ونشر وصيانة الأنظمة، وغالباً ما تواجه الحكومات صعوبة في جذب والاحتفاظ بالمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي بسبب المنافسة من القطاع الخاص، كما تعد التحديات التنظيمية والأخلاقية أيضاً أحد العوائق الأساسية، ويتعين على الحكومات -كما تُلزم هي القطاع الخاص- وضع لوائح واضحة وإرشادات أخلاقية خاصة بها لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية، وهي كذلك ملزمة بتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية حقوق المواطنين، كما أن كسب ثقة الجمهور في دور الذكاء الاصطناعي هو أيضاً تحدٍ مهم، وللوصول إلى ذلك قد يتعين على الحكومات التأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي شفافة وقابلة للتفسير وخاضعة للمساءلة.
إن من الصعب التشكيك بالدور الثوري الذي أحدثه وسيحدثه الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات، وإيمان الحكومات بهذا الدور ضروري للغاية لتمكّن جميع القطاعات من تبني هذه القدرة لإحداث ثورة في كيفية عمل الحكومات، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية وتقديم الخدمات. ومع ذلك، يتطلب تنفيذه الناجح معالجة المخاطر والتحديات المرتبطة بالخصوصية والشفافية والتحيز، والحكومات كما تشجع القطاع الخاص لتفعيل دور أدوات الذكاء الاصطناعي، فقد يتعيّن عليها فعل المثل، ويخضع ذلك لمعايير كثيرة، منها أن هذه الأدوات قد تُغني عن مئات الموظفين الحكوميين، وهو أمر إن رغبت فيه بعض الحكومات، فإن البعض الآخر لا يحبذه.