طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

ما بعد هنية

استمع إلى المقالة

طريقة، ومكان، وتوقيت، اغتيال زعيم المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية هو القصة والرسالة، وما بعد اغتياله شيء، وما قبله شيء آخر. وسيان ردت إيران نفسها، أو عبر ميليشياتها، على مقتل هنية، فإن الوقائع الآن تتغير، وإلى ما يريده نتنياهو.

تأمل عزيزي القارئ هذا الاقتباس لفهم المقصود: «الولايات المتحدة قوة عظمى. ومع ذلك، لم تتمكن لمدة تسعة أشهر من التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل و(حماس). الآن، مع اغتيال زعيم (حماس) إسماعيل هنية يوم الأربعاء، بدا أن العداء الدموي بين الاثنتين يتعمق، حيث يقف صانعو السلام الأميركيون على الهامش».

هذا الاقتباس ليس حديث أحد الأطراف الفلسطينية، ولا هو رأيي، وإنما من مقدمة مقال صحافي «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس، وهو ما يؤكد ما سبق أن نشرته هنا، في 28 يوليو (تموز)، قبل أسبوع، وبعنوان: «الآن أعينكم على نتنياهو».

ملخص مقالي السابق أن نتنياهو، وبعد زيارة واشنطن الأخيرة، وانسحاب بايدن من السباق الرئاسي، لم يعد يكترث لأحد، ولا حتى للإدارة الأميركية، وسيتصرف كيفما شاء، وحتى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

نتنياهو أدرك أن الموازين اختلت بواشنطن مع انسحاب بايدن، وباتت لديه عدة أهداف، ومنها، تأكيد زعامته الداخلية، ورسم، أو قل فرض، خريطة طريق جديدة على الرئيس الأميركي القادم، فإذا كانت كامالا هاريس فهذا يعني أنها ستجد واقعاً عليها التعامل معه.

وفي حال كان الرئيس هو ترمب، فيكون نتنياهو قد مهد له خطة عمل لتنفيذها. ومن الواضح أن نتنياهو تعلم كثيراً من طريقة تفكير ترمب، تحديداً عملية اغتيال قاسم سليماني، وسار على خطاه في اغتيال شخصيات غير متوقعة كان يعتقد أنها خط أحمر، مثل هنية، وفي إيران.

حسناً، قد يكون هناك رد فعل إيراني، أو من قبل ميليشيات إيران بالمنطقة، إلا أن ذلك لا يهم نتنياهو إطلاقاً كونه يخدم أهدافه تماماً، وأهم أهدافه تلك؛ التصعيد، لأن استراتيجية نتنياهو الواضحة الآن هي ضرب «أذرع الأخطبوط» كما كان يقال سابقاً.

وإما أن تواصل إيران «الصبر الاستراتيجي»، أو الردود الشكلية، أو جر واشنطن وطهران لمواجهة عسكرية، وهذا الهدف الأهم لنتنياهو الآن، وأكثر من أي وقت مضى، ولذلك خاطر بكشف قدرات استخباراتية لم تكن إسرائيل تخاطر بها سابقاً، خصوصاً عملية اغتيال هنية بطهران.

والسؤال الآن: ماذا عن «حماس»؟ أعتقد أن الأستاذ عبد الرحمن الراشد لخَّصها بكل اقتدار بمقال «هنية ضحية للسنوار»، الذي ذكّر به بحقيقة مغيبة إعلامياً، وهي أن السنوار وهنية كانا في تنافس وخصومة، لكن لب الحديث هو الاقتباس التالي من المقال.

حيث يقول الراشد: «مستقبل (حماس) قضى عليه نتنياهو والسنوار، وأصبحت الحركة وكذلك قطاع غزة ضحية لحسابات المتطرفين، ومعهم طهران التي قرَّرت في أواخر العام الماضي، أن تجرّبَ تغييرَ قواعد اللعبة الفلسطينية ومنع قطار المصالحات الإقليمية».

وهذا صحيح تماماً، وهذا ما يريده نتنياهو تحديداً، وحتى الخامس من نوفمبر، ولذلك ما بعد اغتيال هنية مختلف تماماً عما قبله.