مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

محمد صبحي والأرض المسطّحة

استمع إلى المقالة

دائماً المنطق العلمي لا يغري أغلب الجمهور، ولا العقل أصلاً يغريهم؛ فالمألوف والمتوقّع يثير الضجر. المطلوب هو الغموض والحماسة ورفع درجة التوقعات والخيال.

نعم الخيال، وآهٍ من الخيال؛ فهو مصدر العواطف والفنون ورسم الماوراء، وهو الحافز للعمل والتنقيب والتفتيش لهتك ستر المجهول.

لولا الخيال والرغبة في اكتشاف الخيال على أرض الواقع، لما تمّت الكشوفات الغربية القديمة لكل بقاع الأرض، وقبلهم المسلمون وغير المسلمين في رحلات «العجائب» مثل ابن بطوطة، والإدريسي، وماركو بولو... وصولاً إلى حركة الكشوفات الحديثة التي كانت تقف خلفها دول ومؤسسات عظمى مثل الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية.

نعم، هناك دوافع سياسية واقتصادية لهذه الرحلات والجهود، لكن ذلك لا يلغي «شهيّة» الاكتشاف وهتك ستر المجهول. لكن مع اكتشاف أغلب سطح الأرض، وبعض جوفها، وآلاف الأقمار الاصطناعية المحيطة بالأرض، وآلاف السفن والطائرات التي تجوب البحار والأجواء؛ انكمشت مساحة المجهول، وهذا أمر يحبط الخيال وأهله بلا ريب!

هل يستسلم أنصار الخيال؟!

أبداً، بخاصة مع اختلاط الأمر بدوافع دينية وخرافات قديمة حول أن الأرض مسطّحة، وأن العلماء وبقية العالم «يضحكون» علينا؛ هناك أسرار خطيرة اتفقت القوى العظمى والمؤسسات السرّية على كتمانها (ما هي هذه المؤسسات وتلك القوى؟!).

قبل أيام في لقاء على قناة «صدى البلد» مع الإعلامي المصري، حمدي رزق، خرج الممثل المصري محمد صبحي، بتعليقات مثيرة، توقّع فيها أن تشهد الفترة المقبلة أحداثاً خطيرة مناخياً، مضيفاً: «لا أريد الحديث عن القطب الجنوبي؛ لأنه موضوع يحتاج إلى حلقات، وبالمناسبة أثبتت الأبحاث أن الأرض غير كروية».

لاحقاً، وبعد ردّ من المعهد المصري القومي للبحوث الفلكية، على كلام صبحي، قال الأخير: لقد كنت أسخر!

ذلك يقودنا لعالم مثير من أنصار نظريات «الأرض المسطّحة» و«الجدار الجليدي» الذي يحيط بالأرض، ويخفي خلفه «عالماً موازياً» اتفقت القوى العظمى على حراسته وعدم السماح للبشر بتجاوزه؛ حتى لا تنكشف حقيقة تسطيح الأرض، ووجود عوالم أخرى خلف الثلج!

يقولون إن هذا الجدار الجليدي الواقع في القطب الجنوبي يحيط بالأرض كلها، بينما القارة القطبية الجنوبية، كلها، هي من أصغر القارّات حجماً؛ فهي خامس أكبر قارة على وجه الأرض، وفقاً للموسوعة البريطانية.

لا تحسب أن هؤلاء الناس لا يستحقون الاهتمام؛ ففي عامَي 2017 و2019 مئات من مؤيدي نظرية المؤامرة أعلنوا أنهم يخططون لرحلة إلى موقع «نهاية العالم» في القارة القطبية الجنوبية.

الغريب أنك لو راجعت التعليقات المصاحبة لأي خبر عن الأرض المسطّحة والجدار الجليدي العظيم، لوجدت مئات التعليقات المؤيدة لهذه الخرافات... لماذا هذا مع كشف العلم والتكنولوجيا الحديثة لكل شيء؟!

هذا بحثٌ آخر...