علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

معنى «ما لهم وما عليهم» عند الإسلاميين

استمع إلى المقالة

حين طبع مصطفى السباعي رسالتَه العلمية «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» في كتاب عام 1960، كتب لها تمهيداً بمناسبة صدور الطبعة الأولى منها. في هذا التمهيد أورد نقاشات مع مستشرقين لقيَهم في رحلة قام بها عام 1956، زار فيها جامعات أوروبية. ورأى أن نقاشاته مع بعضهم وما أورده من انطباعاته الشخصية عنهم، ستكون مكملاً للفصل السادس (السنة مع المستشرقين) في كتابه. وفي هذا التمهيد أورد رأيه في كتاب «أضواء على السنة المحمدية» لأبي ريّة، وخصص له فصلاً إضافياً في كتابه، لمناقشته والرد عليه. وقد خصَّص له فصلاً إضافياً لأنه كان قد صدر بعد سنوات من إنجازه لرسالته العلمية.

كتب السباعي في المجلة الشهرية، مجلة «حضارة الإسلام»، خمس حلقات عن الاستشراق والمستشرقين. ونشرت هذه الحلقات بصورة غير منتظمة. فالأولى نشرت في يونيو (حزيران) 1961، والأخيرة نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 1962.

السبب في نشرها بصورة غير منتظمة آلام حادة كانت تنتابه منذ أن أصيب بمرض عضال في منتصف عام 1957. في الحلقة الثانية نقل السباعي قسماً كبيراً من بحث البهي «المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام». وما نقله هو ما كتبه البهي في هذا البحث تحت العناوين التالية: «من مظاهر نشاط المستشرقين»، «الخطرون من المستشرقين»، «بعض الكتب الخطيرة».

في عام 1968، نشرت دار نشر ومكتبة إسلامية في الكويت ما كتبه السباعي عن الاستشراق والمستشرقين في مجلة «حضارة الإسلام»، في كتيب صغير ناء بحمل عنوانه الطويل: «أضواء على الحركة الهدامة: الاستشراق والمستشرقون: ما لهم وما عليهم».

الشق الثاني من العنوان: «الاستشراق والمستشرقون: ما لهم وما عليهم» كان عنوان الحلقة الأولى الذي وضعه مصطفى السباعي لما كتبه عن الاستشراق والمستشرقين. أما الشق الأول من العنوان فهو من عناوين التهويل والتخويف المشهورة لدى الإسلاميين.

هذا الكتيب حفظ ما كتبه السباعي عن الاستشراق في مجلة «حضارة الإسلام» من النسيان. وكان كتيباً رائجاً عند الإسلاميين لصغر حجمه ولقلة عدد صفحاته. واعتمدوا عليه طويلاً في تكوين نظرة عدائية للاستشراق والمستشرقين.

هذا الكتيب خدم بحث البهي بطريقة غير مباشرة. فالإسلامي الذي لم يقرأ كتاب البهي «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي»، الذي كان البحث من ملاحقه، سيقرأ قسماً منه في كتيب السباعي.

ولأنَّ هذا الكتيّب كان رائجاً في البيع بقدر رواج كتيبات السباعي الأخرى، التفت إليه ابنه حسان، فطبعه في آخر السبعينات الميلادية، مستبعداً الشق الأول من العنوان، ومثبتاً الشق الثاني من العنوان. وكتب له مقدمة، قال في آخرها:

«وقد سبق أن نشرت بعض محتويات هذه الرسالة في مجلة (حضارة الإسلام) وكتاب (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي). وقد وافته المنية قبل أن يحقق ما كان يأمله، فأصبحت أمانة في عنق العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، والغيورين عليها».

وكتب هامشاً إيضاحياً لأول جملة في هذا المقتبس، قال فيه:

«وقد طبعتها (يقصد الرسالة) منفردة سنة 1968 مكتبة دار البيان – الكويت من غير أن نعلم، وكم كنا نرغب في إعلامنا بذلك، فإن صاحب الشعور الطيب والرغبة الحسنة لا يضيره مثل هذا الإخبار».

إن كل ما نشر في هذا الكتيب - أو الرسالة كما عبر حسان - وكل ما نشرته قبله مكتبة «دار البيان» هو منشور في مجلة «حضارة الإسلام»، كان أبوه في مقالاته عن الاستشراق والمستشرقين في هذه المجلة قد أعاد بعض ما كان نشره في التمهيد لكتابه «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» الذي كتبه بمناسبة صدور طبعته الأولى، ولم يكن الذي قام بذلك حسان، ولا قامت به قبله مكتبة «دار البيان». وسأوضح للقارئ ما قامت مكتبة «دار البيان» له، وما قام به حسان بعدها.

لقد قاما بحذف الحلقة الخامسة من المقالات التي كان عنوانها «مآثر المستشرقين وخدماتهم العلمية»، والتي أحصاها بستة مآثر وخدمات علمية. ولم يعيدا نشرها في الكتيب!

ولم يشفع لها أن يضماها إلى شقيقاتها الأربع في إعادة النشر أن السباعي حصر مآثر المستشرقين وخدماتهم العلمية بجمع المخطوطات النادرة ونشر المصادر الرئيسية وما شابه ذلك. ولم يشفع لها بأنه ختم «المآثر والخدمات» بـ«سادساً».

«سادساً» التي تقول: «لقد أدى تهجم أكثر المستشرقين وتعصبهم على تراثنا وعقيدتنا وتاريخنا إلى الرجوع إلى المصادر التي نقلوا عنها، فاكتشفنا كثيراً من أخطائهم، وعرفنا طرائقهم الملتوية في تحريف الحقائق».

شطبا الحلقة الخامسة وألغياها وغيباها، رغم أنهما استعملا في عنواني الكتيب كلمة «ما لهم». أي ما للمستشرقين من مآثر أو مناقب أو مكارم أو محاسن أو إيجابيات.

لا تسل - لا أباً لك - الإسلاميين أين تذهب كلمة «ما لهم» في جملة «ما لهم وما عليهم» التي يستعملون فيها هذا الجملة أحياناً في عناوين محاضراتهم وفي عناوين مقالاتهم وفي عناوين كتبهم حين حديثهم عن المغايرين لهم والمختلفين عنهم. فهي في هذه العناوين مفرغة المعنى، مفرغة الموضوع. ويأتون بها من أجل التوازي البلاغي بين الكلمات لكيلا تكون جملة «ما لهم وما عليهم» جملة عرجاء.

فالأنسب والأليق - رعاهم الله ولا روِّعوا - لكي تكون عناوينهم متسقة مع مضامينها صوغ جملة «ما لهم وما عليهم» بهذه الطريقة: «ما عليهم وما عليهم»، وإن كان فيها ركّة وخور. وللحديث بقية.