تيموثي أوبراين
TT

بايدن وترمب... مخاطر المناظرات

استمع إلى المقالة

تنطوي المناظرات على مخاطر كبيرة للرؤساء الحاليين، وذلك لأسباب واضحة، أن لديهم كل شيء ليخسروه، بينما لن يكسبوا سوى القليل.

وقد رفض ريتشارد نيكسون، الذي طغى عليه جون كيندي في أول مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، الدخول في مناظرة أمام جورج ماكجفرن عندما كان رئيساً عام 1972. وساهمت زلة اللسان التي سقط فيها جيرالد فورد في خضم حديثه عن السياسة الخارجية، في أثناء مناظرة عام 1976 في فوز جيمي كارتر في انتخابات ذلك العام. وفي وقت لاحق، تفوق رونالد ريغان على كارتر في مناظرة عام 1980، ما أدَّى إلى فوزه الساحق في الانتخابات.

كما تعثر جورج إتش دبليو بوش في مناظرة أمام بيل كلينتون عام 1992، ما جعل خسارته مصيراً مؤكداً. من جهته، تعرض باراك أوباما، الذي لم يكن مستعداً وملتزماً بما يكفي لهزيمة مذلة على يد ميت رومني عام 2012، الأمر الذي كاد يكلفه انتخابات بقائه في البيت الأبيض. وعام 2020، خسر دونالد ترمب جولتين من المناظرات أمام جو بايدن، بينما كان في طريقه إلى خسارة الانتخابات بسبب جائحة فيروس «كورونا».

والآن، يدخل بايدن، أتون المعركة من جديد، مع دخوله في مناظرة أمام ترمب، ليلة الخميس في أتلانتا. ومثل الرؤساء الذين سبقوه، من المتوقع أن يبدو بايدن وكأنه يسير على حبل مشدود. إذن، لماذا المخاطرة؟ لأن الأمر يستحق.

في الواقع، من الحكمة أن يغامر بايدن بخوض مناظرات أمام ترمب، لأسباب تتجاوزه من ناحية، وترتكز على التحديات التي يجابهها وعيوبه الانتخابية الخاصة من ناحية أخرى. بوجه عام، يبدو سباق 2024 على الأهمية ذاتها والخطورة مثل انتخابات الأعوام 1800 و1860 و1932. اليوم، تقف التجربة الأميركية على المحك.

ربما كان الأنسب لبايدن تولي الرئاسة لولاية واحدة فحسب، بعد أن أثبت أنه المرشح الوحيد القادر على إنقاذ البلاد من ترمب عام 2020، لكن الغطرسة والغرور لطالما كانا جزءاً من مسيرته طوال حياته السياسية، مثلما الحال مع معظم الذين يطمحون إلى الرئاسة. كما كان قريباً من البيت الأبيض خلال العقود التي قضاها في مجلس الشيوخ ومحاولاته الثلاثة السابقة الفاشلة للفوز بالرئاسة. وكان قريباً من جاذبية ونفوذ البيت الأبيض عندما كان نائباً لرئيس أوباما لمدة 8 سنوات. وعليه، فإن كل ذلك يتعارض مع فكرة أن فترة ولاية واحدة كانت لتشبعه بمجرد وصوله أخيراً إلى المكتب البيضاوي عام 2020.

في نهاية المطاف، لا يمكن تصور انتخابات عام 2024 بأي حال من الأحوال باعتبارها منافسة تقليدية بين ديمقراطي وجمهوري، مهما كان عدد الموالين للحزب الجمهوري أو أي شخص آخر يرغب في خداع نفسه وتصويرها على هذا النحو. إن الجهد الذي يبدأ بمناظرة الخميس، ليس سوى معركة وجودية، يخوضها شخص يتميز بحسن النية والعقلانية، في المقابل، يواجه بايدن شخصاً مضطرباً وغريب الأطوار، يعشق إلقاء اللهب وتأجيج روح الانقسام.

بطبيعة الحال، ربما لم تستوعب شريحة الناخبين المستقلين والمتأرجحين، الذين سيحسمون مصير انتخابات عام 2024، هذا السيناريو بشكل كامل. ولسوء الحظ، قد يتطلب الأمر تجربة ولاية أخرى مع ترمب في البيت الأبيض، ما قد يؤدي في الواقع إلى تجريدهم من الحقوق المدنية، في حين يفكك الاقتصاد الأكثر ديناميكية في العالم ويجري التعامل مع القانون والجيش كألعاب، قبل أن يستوعب الجميع الشر الكامن داخله.

والملاحظ أنه فيما يتعلق بعشرات الملايين من الناس، فإن الاعتبارات التي تصوغ وجهات نظرهم، في الوقت الراهن، حول التمييز بين بايدن وترمب، لا ترتبط بسياسة ما أو سمة شخصية، وإنما تتلخص ببساطة في الحيوية. ويجادل هؤلاء بأن بايدن يبدو أكبر سناً وأقل تماسكاً عن ترمب، رغم أن الفارق العمري بينهما لا يتجاوز ثلاث سنوات.

المؤكد أن بايدن يبدو في كل تفاصيله رجلاً ثمانينياً، ويمشي بخطوات متيبسة، ويمكن أن يكون فظاً وثقيلاً عندما يتحدث. إنه كبير في السن حقاً، وهذا يقيد الناخبين الذين يشعرون بالقلق من احتمال خلافة نائبة الرئيس، كامالا هاريس، له حال وفاته في منصبه.

ومع ذلك، تظل الحقيقة أن ترمب ليس أفضل منه وأكثر نشاطاً. لقد أصبح ترمب أكثر انحناءً عما كان عليه من قبل عندما يمشي، وتدهور مستوى خطابه ومدى انتباهه بشكل ملحوظ على مدار السنوات الثماني الماضية.

وفي حين أن مناظرةً واحدةً لن تؤدي إلى اختفاء المخاوف المرتبطة بالحيوية فيما يخص بايدن، فإن الطريقة الأكثر فاعلية هي أن يضع نفسه جنباً إلى جنب مع ترمب حتى يتمكن الناخبون من المقارنة بينهما.

الحقيقة أن ترمب الطرف الأضعف هنا، وثمة احتمال كبير أن تكشف المناظرة بين الرجلين ذلك، وهي مخاطرة تعتقد حملة ترمب أنها ضرورية. لم يكن ترمب قط مفكراً، وإنما هو شخص لا يقرأ الكتب، علاوة على أنه ضعيف في الرياضيات الأساسية.

ويجري تنظيم مناظرة الخميس على نحو يحاول تجنب أعمال الشغب التي استخدمها ترمب لصالحه في المناظرات السابقة. لن يكون هناك جمهور مباشر، وسيجري إسكات الميكروفون عندما لا يتحدث المرشح. ربما يشعر ترمب بأنه مقيد بسبب هذه الترتيبات، ما يستنزف الحد الأدنى من رباطة الجأش الذي عادة ما يملكه.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»