رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية
TT

زمن الاحتواء لا زمن المواجهة!

استمع إلى المقالة

سارعت الإدارة الأميركية إلى إرسال مبعوثها، آموس هوكستين، إلى إسرائيل ولبنان لاحتواء التصعيد الذي حصل ظاهراً بعد اغتيال إسرائيل أحد قادة «حزب الله» في جنوب لبنان. والواقع أن التصعيد الذي يهدد بحربٍ شاملة ما حصل بعد الاغتيال وإطلاق مئات الصواريخ، بل حصل بعد مبادرة بايدن قبل أسبوعين لوقف إطلاق النار بغزة، وهي المبادرة التي قال إنه اتفق عليها مع نتنياهو، وسارعت إيران لمعارضتها على لسان الخامنئي وعلى لسان وزير خارجيتها المؤقت الذي جاء إلى بيروت للتباحث مع زعيم الحزب، وربما مع «حماس»، للحيلولة دون الاستجابة لمبادرة بايدن. وحتى الآن، ما عادت استجابة «حماس» واضحة، ونتنياهو انهمك بالتصدع في مجلس حربه باستقالة بيني غانتس، وانصرف الحزب لتوجيه صواريخه تجاه شمال الكيان وتجاه الجولان.

هي موجة واسعة من التوتير الإيراني تتم على جبهاتٍ ونواحٍ عدة وبأشكال مختلفة؛ فإلى جنوب لبنان هناك الزيادة اللافتة في الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن والمخا، وقد زادت إصابات السفن رغم الردود الأميركية والبريطانية العنيفة في جهاتٍ شتى من اليمن على قواعد إطلاق المسيرات والرادارات والزوارق السريعة. إن الطريف ما صرح به العسكريون الأميركيون أخيراً؛ أن الحوثيين ابتدعوا سبلاً جديدة للتزود بالسلاح من طريق لبنان وجيبوتي، وأن تاجراً من آل الوزير هو محور علميات الشراء والتهريب. والطريف أيضاً وأيضاً الاستنتاج الذي توصل إليه العسكريون الأميركيون؛ فهم مضطرون لإعادة النظر في حملتهم على الحرب الحوثية على السفن في البحر الأحمر والمحيط، وأنه لا بد من مشاركة «الحلفاء» الإقليميين في هذه الحرب. ولا شك في أن الإقليميين متضررون جداً، لكنهم لا يملكون الوسائل القتالية المتطورة التي يمتلكها الأميركيون والبريطانيون والأوروبيون الآخرون! فإذا كانوا هم قد عجزوا عن كفّ ضرر آل حوث؛ فكيف سيؤثر الآخرون؟!

ويضيف الأميركيون أن تهريب السلاح للحوثيين يتم أحياناً بسفنٍ محسوبة على الصين (!) أصدروا بحقها عقوبات، مع أن الصينيين مصابون أيضاً من وراء الهجمات في البحر والمحيط.

أما الجبهة الثالثة التي يشكو منها الأوروبيون والأميركيون، فهي الجبهة النووية. غروسي مدير الوكالة الدولية يقول إن الاتفاقية مع إيران ما عاد يراعيها أحد، وإيران تجاوزت كل الحدود أخيراً لجهة إنتاج اليورانيوم في موقع «فوردو» الذي لا تسمح بتفتيشه، والأوروبيون متحمسون ضد تجاوزات إيران، ويصدرون عقوبات ضد جهاتٍ وأطراف بإيران، من دون أن يبدو لذلك أي تأثير بارز!

ما عاد من الممكن «تضييع الشنكاش»، كما يقول اللبنانيون، بشأن المواجهة، وهي بين مَنْ ومنْ. فمنذ «طوفان الأقصى»، قبل قرابة التسعة أشهر، تدخلت الولايات المتحدة بأساطيلها وقواعدها وطائراتها واستخباراتها علناً إلى جانب إسرائيل. والحجة آنذاك المنع من توسيع الحرب من جهة إيران من طريق «وحدة الساحات» التي دعا إليها نصر الله. وما حصل التوسيع حتى عندما اضطرت إيران للتدخل مباشرة ضد الكيان بعد ضرب قنصليتها وضباطها بدمشق. لكن الولايات المتحدة ظلت تتدخل كثيراً، حتى عرفنا أخيراً أن فرقة أميركية خاصة شاركت في إطلاق سراح أربعة أسرى إسرائيليين في قطاع غزة!

طوال عقود كانت سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران احتوائية، بمعنى أنها لا تجيب على المواجهة بمثلها دائماً. بل لا ترد على الضربات أو ترد بشكلٍ محدود. ولذلك فإن إيران كانت تربح دائماً، وإن لم تحقق كل أهدافها. والملاحَظ الآن أن إيران في لحظة مواجهة. أما الولايات المتحدة، فإنها تعود لسياسات الاستيعاب والاحتواء، رغم الالتقاء وجهاً لوجه: ترسل وسطاء إلى عُمان، وترسل هوكستين إلى إسرائيل ولبنان، وتترك للأوروبيين مسألة مواجهة التقدم النووي الإيراني، وتفكر بالبحث عن أنصار جدد في المواجهة مع الحوثيين، مع تأكيدها أنها لا تهاجم إلا بشكلٍ دفاعي، فتتصدى للتخطيط للاستهدافات!

ليس من السهل معرفة أسباب إيران للتوتير والتصعيد الآن. أما «حكمة» الأميركيين إنْ لم ينفع حشد الأساطيل، فربما تعود إلى انتخابات الرئاسة وضرورة عدم حصول حرب كبرى على مشارفها. كما تعود لحساسية الوضع الاستراتيجي وتعدُّد الجبهات بين أوكرانيا وفلسطين وبحر الصين. بيد أن الحذر الأميركي تقابله جرأة إيرانية، وحرص على عدم الرجوع بأيادٍ فارغة. فما الذي ترجوه إيران، وما الذي يستطيع الأميركيون إعطاءه أو تقديمه؟