روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

ما هي القصص الطبية التي نثق بها؟

استمع إلى المقالة

دعوني أروي لكم قصةً طبيةً، ولكم حرية اختيار ما تفهمونه منها. مرّ شخص بتجربة طبية روتينية معتادة من النوع الذي مرّ به كل جيرانك. مع ذلك عانوا لاحقًا من أعراض غريبة وأشكال غير عادية من الألم، ومن إعياء مستمر لا ينتهي. لا تستطيع المنظومة الطبية تقديم أي مساعدة لهم، لذا انضموا إلى مجموعات على الإنترنت تؤكد الأمر، لكن لا تقدم علاجاً. كذلك يعتريهم شعور قوي بتعرضهم للغدر والخيانة، ويعتقدون أن المنظومة كانت تعرف أن ذلك كله كان محتملاً، ومع ذلك سمحت بحدوثه لهم.

الآن دعوني أذكر لكم المزيد من التفاصيل. إن الشخص الذي أتحدث عنه هو رجل هندي يعاني من السمنة، وفي الخمسينات من العمر، يشاهد محطة «فوكس نيوز»، ورفض ارتداء قناع طبي في خريف 2020. كانت التجربة الطبية الروتينية، التي سبقت ظهور مرضه الغامض، هي تلقيه لقاح «كوفيد» بناءً على طلب صاحب العمل.

هل تحاول فجأة تكوين نظرية توضح ما خطبه؟ هل تميل نحو تفسيرات نفسانية جسمانية، وتعتقد أنه يعاني من آلام بسبب تقدمه في العمر، وتحمّل مسؤوليتها لليبراليين وللتطعيم؟ انتظر قليلاً لأنني قد خدعتك، ففي الحقيقة الشخص الذي أتحدث عنه هو شابة متعلمة تعليماً جامعياً، تبلغ من العمر 35 عاماً، وتقيم في بروكلين، وتعمل 5 أيام في الأسبوع، وتتناول عقاقير لعلاج القلق، وكانت تتحرك وهي مرتدية القناع الطبي خلال احتجاجات جورج فلويد عام 2020. لقد كانت تجربتها الطبية هي تلقي لقاح «كوفيد»، رغم تلقي لقاحات وتطعيمات متعددة، وقد سقطت بعد ذلك في مستنقع الإصابة بوباء «كوفيد» الممتد لفترة طويلة، ولا تستطيع الخروج منه.

إذا كنت مثلها مهنياً ليبرالياً، ربما سيكون من غير المرجح افتراض التفسيرات النفسانية الجسمانية. على الجانب الآخر، إذا كنت محافظاً، ربما يكون وصفها هو ما توقعت سماعه، فهي مجرد شخص آخر مصاب بوسواس توهم مرض الـ«كوفيد» من ولاية زرقاء (مؤيدة للحزب الديمقراطي)، ومهووس بكل وخزة على النحو الذي يستحوذ عليها الهاجس بشأن كل حالة مزاجية عابرة، وكل ذلك من أجل تبرير رغبتها في التزام الجميع بارتداء القناع الطبي. ربما لا تنتمي لأي من النموذجين، وفي هذه الحالة أعتذر عن وضعي إياك في قالب نمطي. مع ذلك من المرجح أن تدرك التفسيرات التي أوردتها سلفاً، وهي التوجه المتفق عليه من الحزبين، والرافض لعرض الحالات الطبية عندما تمثل تهديداً للرواية التي يقدمها فريقك فيما يتعلق بحقبة «كوفيد».

أنا أفكر في هذا الأمر بسبب مقال زميلتي أبورفا ماندافيلي الأخير عن الأشخاص الذي يعانون، أو زعموا أنهم يعانون، من إصابات تؤثر على الحياة من جرّاء تناول اللقاح بعد تلقيهم جرعة من لقاح «كوفيد». من الطبيعي أن يشعر المصابون بتلك الحالات الممتدة لفترة طويلة بتخلي المؤسسة الطبية عنهم، التي لا تشعر بارتياح من عرض الحالات في أفضل الأوقات، لكن هذه الحالة بوجه خاص تعدّ مقاومة لإقرار أي شيء قد يبدو داعماً للارتياب المناهض للقاح.

مما لا شك فيه أن المشككين في اللقاح سوف يستغلون مقال زميلتي، في الوقت الذي سيشعر فيه الكثير من مؤيدي اللقاح بشكل راسخ بعدم الارتياح من فكرة توجيه قدر كبير من الانتباه إلى تلك الحالات.

مع ذلك مرة أخرى لو كانت هذه قصة عن الأنواع المتماثلة من الأعراض المزمنة التي يواجهها بعض الأشخاص بعد تلقي لقاح «كوفيد» نفسه، لكان من السهل عكس مسارات التشكك والارتياب.

بصفتي شخصاً عانى من مرض مزمن مثير للجدل لا علاقة له بـ«كوفيد»، هناك رسالة أحاول إثارتها في هذه المحادثة، وهي أنه ينبغي أن يمتد تعاطفك إلى الأشخاص، الذين يعانون من حالات صعبة أولاً، قبل أن تقلق من كيفية تهديد ذلك التعاطف لنظرتك الشاملة لمجال الطب أو نظام السياسات.

سوف يبرر ويؤكد أولئك الأشخاص أحياناً تشكك، فمن المؤكد أن وسواسَ توهمِ المرض موجود، والآيديولوجية والحالات النفسانية تتفاعل بلا شك. مع ذلك ينقسم المرض المزمن إلى أنماط توضح الألغاز العميقة للجسم أكثر من افتراضات العقل.

في قصة زميلتي عن الآثار الجانبية للقاح، بعض المصابين هم من الليبراليين المهنيين الذين تتوقع أن يكونوا من المؤيدين المتحمسين للقاح. بالمثل في حالة الإصابة بمرض «كوفيد» لفترة طويلة، لقد تناقشت شخصياً مع رجلين شابين يتمتعان باللياقة البدنية، وينتميان إلى تيار اليمين، شعرا بالحرج من الاعتراف بما يعانيانه من تلك الأعراض الممتدة لفترة طويلة داخل مجموعة من الأقران تميل إلى التيار المحافظ.

لا ينبغي أن يقوّض قبول مصداقية تلك الحالات المختلفة الشاذة منظورك الشامل لمشكلات ومسائل حقبة «كوفيد».

إن وجود آثار جانبية للقاح، وأي حافز لتسجيل عدد أقل منها، لا يقوّض الدليل على أن اللقاح قد أنقذ حياة الكثيرين. لا تثبت مخاطر الإصابة بـ«كوفيد» لفترة طويلة ممتدة أن حالة الطوارئ الخاصة بالوباء لا ينبغي أن تنتهي أبداً.

مع ذلك ينبغي أن تهزّ تلك الحالات يقينك من توافق ألغاز الجسم البشري بشكل مثالي مع أي «سياسة حيوية» بسيطة، وتمنحك قدرة أكبر على التعاطف مع الرغبة في الانسلاخ من أي نظام صحي.

* خدمة «نيويورك تايمز»