علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

مثالان غير موفقين في ربط الاستشراق بالتبشير

استمع إلى المقالة

خصَّص رضوان السيد في عام 1983 عددين من مجلة «الفكر العربي» الصادرة عن معهد الإنماء العربي ببيروت، هما العددان 31 و32، لتناول موضوع الاستشراق، حين كان رئيس تحرير تلك المجلة، وجعل عنوانهما «الاستشراق التاريخ والثقافة والمنهج». العددان كانا موسوعة تاريخية وعلمية ومنهجية في موضوع الاستشراق. في افتتاحية هذين العددين، قال رضوان السيد - موضحاً حجم الجهد المبذول فيهما ومخبراً بمناسبة إصدارهما: «فقد بدأنا بإعدادهما في المعهد منذ أكثر من عام على إثر النزاع العنيف الذي أثارته ترجمة كتاب إدوارد سعيد إلى العربية».

الافتتاحية التي كتبها رضوان السيد كانت دراسة عنوانها «ثقافة الاستشراق ومصائره وعلاقات الشرق بالغرب» أهداها للمستشرق الألماني رودي بارت الذي ذكر رضوان السيد أنَّه توفي قبل صدور العدد الأول بشهور.

يقول رضوان السيد في هذه الدراسة: «وهناك ملاحظات لا بد من إيرادها بشأن هذا الموقف الإسلامي من الاستشراق، فهناك اقتران دائماً في أذهان الناقدين للاستشراق والمشككين في علميته بين الاستشراق والتبشير وكتاب محب الدين الخطيب (الغارة على العالم الإسلامي)، وكتاب فروخ والخالدي: (التبشير والاستعمار)؛ مثالان يوضحان ذلك».

لنتوقف عند ملحوظته الأولى لنقد الإسلاميين للاستشراق، ولندع بقية ملاحظاته على نقدهم للمستشرقين، رغم أهميتها، لأن ما يهمني في هذا المقام التتبع الزمني لفحوى ملحوظته الأولى التي أوردها في تلك الدراسة القيّمة وهي: اقتران الاستشراق بالتبشير عند الإسلاميين. وفي مرحلة تالية سأحاول تفسير قرنهم الاستشراق بالتبشير أو التنصير.

كتاب «الغارة على العالم الإسلامي»، هو تلخيص لتقرير طويل كتبه عام 1911 المستشرق الفرنسي ألفرد لي شاتليه في «مجلة العالم الإسلامي» الصادرة باللغة الفرنسية. وكانت هذه المجلة التي يرأس تحريرها لي شاتليه أفردت، للتقرير الطويل الذي كتبه، عدداً خاصاً. هذا التلخيص نشرته جريدة «المؤيد» مسلسلاً عام 1912. وأعادت نشره مجلات وجرائد أخرى في ذلك الوقت. ونشره محب الدين الخطيب في كتاب أول مرة عام 1931، في «المطبعة السلفية». وكرَّر طباعته في هذه المطبعة التي يملكها. التلخيص والترجمة من الفرنسية إلى العربية قام بهما مساعد اليافي، والصياغة قام بها محب الدين الخطيب.

«توطئة» تلخيص التقرير التي كتبها الخطيب واليافي باسم جريدة «المؤيد» حين بدْء نشره مسلسلاً في هذه الجريدة في 7 أبريل (نيسان) عام 1912 كانت الإرهاصة الأولى لربط الاستشراق بالتبشير. و«مقدمة» محب الدين الخطيب للطبعة الأولى للكتاب، طبعة عام 1931، كانت تعزيزاً للربط الذي جاء في تلك «التوطئة». الموقف من الاستشراق فيهما لم يكن حاداً، بل هو أقرب إلى موقف اللوم والمؤاخذة، وإعلان خيبة الأمل في مجلة كانت مجلة علمية منذ تأسيسها (المجلة تأسست عام 1904)، ثم تحولت إلى مجلة تبشيرية، فظهرت كغيرها بمظهرها الحقيقي الذي تكون فيه الدروس العلمية ذريعة لغايات سياسية ودينية. هذا هو ملخص الموقف الوارد في «التوطئة» وفي «المقدمة».

أرى أنَّ هذا الكتاب، وكتاب مصطفى الخالدي وعمرو فروخ «التبشير والاستعمار في البلاد العربية» الصادر عام 1953 لا يصلحان أن يكونا مثالين لتوضيح ملحوظة رضوان السيد؛ فكتاب «الغارة على العالم الإسلامي» لا توجد فيه سوى كلمات قليلة عن الربط بين الاستشراق والتبشير، وهي الكلمات التي أوردتها بنصها. وكتاب «التبشير والاستعمار» ليس في أي سطر من سطوره ربط بين الاستشراق والتبشير، وليس فيه صفحة واحدة خص المؤلفان الاستشراق فيها بحديث عنه.

في الطبعة الثانية من كتاب «التبشير والاستعمار» الصادرة عام 1957، حدد مؤلفاه نوع الصلة بين كتابهما وكتاب «الغارة على العالم الإسلامي»، فقالا: «ومع أن جميع الملخصات في كتاب (الغارة على العالم الإسلامي) كانت في شكلها المطول وفي كتبها الأصلية من مصادر كتابنا (التبشير والاستعمار)، فإننا نعتقد أن كتاب (الغارة) هذا قد أدى خدمته في زمنه، وأن مساعد اليافي ومحب الدين قد حاولا فتح عين المسلمين على شيء من أخطار التبشير منذ نحو جيلين من الدهر».

وكانا قبلها بعد أن ثمَّنا كتاب «الغارة على العالم الإسلامي»، قللا من قيمته إزاء كتابهما بهذه الملحوظة: «ولكن الكتاب في حقيقته خلاصة لجهود المبشرين كما يراها المبشرون، فهو إن كان ينبه على أضرار التبشير فإنَّه لا يربط جهود المبشرين بالنتائج الدينية والسياسية التي أدَّت فعلاً إلى الإضرار بالعالم الإسلامي، ثم إنَّ هذا الكتاب خلاصة عربية لخلاصة فرنسية لمادة إنجليزية محدودة». وللحديث بقية.