جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

الانتخابات وأعمال العنف

استمع إلى المقالة

إدارة الصراع السياسي سلمياً، هي الغرض من تبنّي النظام الديمقراطي القائم على الانتخابات. لكن المواسم الانتخابية، في كثير من دول العالم، تسير في اتجاه سير معاكس، بمعنى أنها، في العادة، تكون مصحوبة بأعمال شغب وعنف في الشوارع، وبالقتل والتخريب والتحايل، وبالتقاضي في المحاكم. ولعل ما حدث في أميركا في يناير (كانون الثاني) 2020 ليس ببعيد، وتداعياته السياسية المريرة لا زالت تتوالى حتى وقتنا الحالي. ذلك أن الصراع بين القوى المتنافسة على السلطة يكون، في العادة، غير متكافئ، ولصالح الأحزاب الحاكمة، خصوصاً في دول العالم الثالث، كونها المالكة لصنع القرار، والمسيطرة على الأجهزة الأمنية، وعلى وسائل الاعلام. ومَن يمتلك صنع القرار، مِن المرجح جداً أن يسعى إلى التدخل في وضع قوانين انتخابية تهدف إلى ترجيح كفته انتخابياً والحفاظ على مواقعه ومكاسبه السلطوية. في زيمبابوي، مثلاً، أيام حكم الرئيس الراحل روبرت موغابي، قامت حكومته وقيادات حزبه بوضع خطة لتفادي الهزيمة، وذلك بتقليص أعداد مراكز الاقتراع وتضييق زمن فتح وإغلاق الاقتراع، خصوصاً في الدوائر الانتخابية التي تنشط فيها أحزاب المعارضة؛ بهدف حرمانها من الحصول على أصوات أنصارها. ونجحت الخطة بتقدير ممتاز.

يمكن أيضاً لفت الأنظار إلى ما حدث في السنغال مؤخراً، حيث لجأ الرئيس السابق إلى إصدار قرار بتأجيل موعد انعقاد الانتخابات، من دون إبداء أسباب واضحة. وأدى القرار إلى اشتعال أعمال الشغب والعنف في كل البلاد، وخروج قوات الأمن لقمع المتظاهرين بإطلاق النار، مما أدى إلى قتل أكثر من 60 متظاهراً. هذا بالإضافة إلى اعتقال وحبس آلالاف، ومن بينهم قادة أحزاب المعارضة. خطة الرئيس فشلت، وعقدت الانتخابات، بحكم صادر عن المجلس الدستوري.

وها نحن نتابع في وسائل الإعلام ما يحدث في فنزويلا من استعدادات، من قبل الحكومة والحزب الحاكم؛ لضمان الفوز في الانتخابات التي ستُعقد قريباً. التقارير الإعلامية تؤكد قيام الرئيس الفنزويلي بإصدار قرارات تحُول بين قادة المعارضة ودخول الانتخابات، ولأسباب لا أعتقد بأنها تخفى على أحد. وبعدها سيأتي الدور على جنوب أفريقيا؛ نتيجة اشتداد الخصومة إلى درجة العداوة المعلنة بين القيادات في الحزب الحاكم، وقيادات سابقة، الأمر الذي أدى إلى حدوث انقسام، عصف بوحدة الحزب، ومن المحتمل أن تؤدي به إلى فقدان أغلبيته البرلمانية في الانتخابات المقبلة، لأول مرة منذ عام 1994.

الآن، مباشرة بعد السنغال، تستعد الهند لدخول معمعة الانتخابات. ومن قبل أن تبدأ بدأ التراشق بالتُّهم. التُّهم صادرة عن أحزاب المعارضة؛ بسبب تمديد فترة الانتخابات. إذ من المعروف أن الهند توصف بكونها أكبر الديمقراطيات في العالم؛ نتيجة لعدد الناخبين الهائل والذين، استناداً إلى تقارير إعلامية، يصل عددهم إلى 968 مليون ناخب، إضافة إلى عظم مساحة البلاد. الحكومة الهندية قررت إجراء الانتخابات في 6 أسابيع وعلى 7 مراحل، أي أن الانتخابات ستبدأ يوم 19 أبريل (نيسان) وتنتهي في الأول من شهر يونيو (حزيران)، أي 44 يوماً. في الانتخابات الماضية استغرقت الانتخابات 39 يوماً.

وأوضحت الحكومة أن السبب وراء ذلك استدعته الضرورة ممثلة في منع الشغب، واندلاع أعمال العنف المتكررة، بإتاحة الفرصة للأجهزة الأمنية للانتقال من ولاية إلى أخرى. وحفاظاً على نزاهة الانتخابات بإتاحة وقت لانتقال المراقبين من جهة إلى أخرى. هذا التوضيح، لم يقنع أحزاب المعارضة، التي ترى أن وراءه سبباً آخر غير معلن، وهو إتاحة الوقت أمام الزعيم الهندوسي ناريندرا مودي للقيام بحملات في مختلف أنحاء البلاد، خصوصاً في الولايات التي لا يحظى فيها حزبه بدعم الناخبين. لكن المعارضة لن تستطيع فعل شيء، لأن أياديها مغلولة، كونها لا تملك حق صنع القرار، والذي هو امتياز للحزب الحاكم ولزعيمه السيد مودي، الذي بدوره يستعد للفوز بفترة حكم للمرة الثالثة. وترى أحزاب المعارضة أن الفترة الزمنية الطويلة للانتخابات، وعلى عكس الحزب الحاكم، ترهقها مالياً. وترى أنه من الممكن تقصير المدة لو توفر حُسن النيّة، مستشهدةً بما حدث في عام 1980، حين قامت رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي بإجراء انتخابات في 4 أيام فقط.