سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

التحقيق جارٍ

استمع إلى المقالة

استقال الجنرال ديغول ربيع 1969 من رئاسة فرنسا، لأنَّ الفرنسيين لم يمنحوه أكثرية كبرى في الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية التي اقترحها. شعر أن الإحساس الشعبي لم يعد معه. وأدرك أن الناس لا تحفظ طويلاً وفاء أبطال الحروب. قبله، كان البريطانيون قد أسقطوا في الانتخابات العامة، ونستون تشرشل، الذي أعطى بلاده النصر في الحرب العالمية الثانية، وساعد ديغول في نصره أيضاً.

اثنان من أهم الرموز في تاريخ أوروبا، ينهي حياتهما السياسية، ناخب بليد، عكَّر مزاجه الواقع الاقتصادي.

بعد أسبوعين يذهب الروس لانتخاب الرئيس الحاكم منذ عام 1999، مرة كرئيس وزراء، ومرة رئيس جمهورية، وبعدها إلى الأبد. لقد أصبح فلاديمير بوتين أطول حاكم في تاريخ الكرملين منذ يوسف ستالين. وهو لا يكف عن إبداء الإعجاب به نموذجاً مثالياً لرجل السلطة.

ولكن في مثل هذه الحال، لماذا ترف الاقتراع وحلبة الانتخابات؟ للاحتفال؟ يتخيل الرئيس خصماً من أجل أن ينتصر عليه. صدف هذه المرة أن المرشح المنافس توفي قبل موعد الانتخابات. حسناً. هذه مشكلته ومشكلة أنصاره. المصادفة ليس حكماً قضائياً.

العالم الثاني والثالث يفسر الديمقراطية كما ينبغي. المهم راحة البال. ابقَ أنت مستريحاً في بيتك، ونحن نقترع عنك. الرجاء عدم الإزعاج. إليك ما يحدث في أهم دولة ديمقراطية في العالم: عجوزان، واحد ينسى اسم خصمه، والثاني لا يتذكره. هذه مهزلة لا يمكن أن تحدث في عالم الرجل الواحد. راحة بال تامة، وليس من الضروري إطلاقاً أن تكون راحة الضمير تامة هي أيضاً. ألم تسمع بنظرية النسبية بعد؟

تخوض روسيا حرباً ومعركةً. وكلتاهما داخلي وخارجي معاً. إلى الأمس لم يكن هناك فرق بين كييف وموسكو، والآن تأمل ما بينهما من جبال وأودية وبحار وأنهر. وأكوام من الموت والخراب. وكأنما المشهد في حاجة إلى إضافة. ذكّر الرئيس بوتين الغرب بامتلاك بلاده السلاح النووي، وسط تلويح بإرسال أوروبا قوات عسكرية إلى أوكرانيا.

كان نيكيتا خروشوف قد هدد بنفس السلاح عام 1962، لكنه تراجع عندما تخيّل المشهد أمامه. بوتين ليس خروشوف، الراعي الطيب القلب، الذي فكك الستالينية، إنه الرجل المفاخر بها أمام الروس والعالم.

وعلى الفريقين أن يدركا أن الانتخابات تجري في هذا المناخ. ولن تعطلها بضعة باقات من الزهرعلى قبر نافالني، أو بريغوجين. الأول معارض يموت لأسباب طبيعية في السجن، والثاني يموت معه 10 أشخاص في حادث طائرة. ولا يزال التحقيق جارياً. والدموع الحرّى تذرف.