د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

لماذا لا نتقبل النقد؟

استمع إلى المقالة

عدم تقبل المرء النقد قد يعود إلى أسباب تاريخية أو راهنة. فقد تعود معضلة عدم تقبل الإنسان النقد إلى نفاد ذخيرة من الحُجج الدامغة. فيجد نفسه أمام التعريض بالناقد، أو التشكيك في نيّاته، أو تسطيح مقاصده.

ومن أعمق أسباب رفض النقد تلك «الحساسية الشخصية» المفرطة، كالاعتقاد أن نقد الفعل هو نقد لكينونة الفاعل. وشتان بين الاثنين. فأنت لا تحبّذ سلوك ابنك أو زميلك لكنك تشاطره المودة. ولذلك كان من الحكمة تذكير هؤلاء بأنك لا تنتقد سوى «الفعل» وليس «فاعله».

أحد أسباب النفور من النقد هو «رغد المديح الزائف» الذي كان يعيش الفرد في كنفه، كمبالغات إطراءات أسرته أو الانتهازيين من حوله. ولذلك ما إن يتبوأ طاغية مقاليد الأمور حتى يتخلص تدريجياً من كل مخالفيه الرأي. والطاغية ليس ذلك الذي نعرفه في سدة الحكم بل كل مَن طغى في سلوكه وظلم الآخرين وهضم حقوقهم.

وتقول العرب: «ما كل ما يُعرف يُقال» وكذلك حال النقد. فلا يليق بفتى أن ينتقد رجلاً كهلاً بحدة أمام الملأ. ولا يليق نقد الضيوف، وأفراد الأسرة أمام الآخرين، فلكلِّ مقام مقال.

لا يتقبل البعض النقد لأسباب قديمة تعود إلى مشاعر جارحة تعرض لها في طفولته أو صباه. تظهر على شكل طوفان من الغضب ما إن يدوس أحد على طرفه بنقد لاذع لشكله وكلامه أو سلوكه.

من الانتقادات ما هو مرتبط بانخفاض الثقة بالنفس. والثقة بالنفس كما نكرر دوماً متغيرة حسب أحوالنا. ولذلك كان من المهم الفصل بين مفهومين يخلط بينهما كثير من الناس، هما: مسألة تقدير الذات، والثقة بالنفس؛ فتقدير الذات هو أمر ثابت يجب ألّا يقل مقداره في نفس المرء، في حين أن الثقة بالنفس مسألة نسبية لأنها مرتبطة بأنشطتنا الحياتية ونجاحاتنا وإخفاقاتنا. فمَن لديه لغة ثانية قوية تكون ثقته في أوجها حينما يحاور أصحابها في ديارهم، لكنه ما إن يهجرها لعقود حتى تضمر لغته، وتنخفض معها ثقته بنفسه.

كما أن ضحالة الحصيلة المعرفية والتجارب تجعل مشاعر الإنسان هشة عند تلقّي سهام الانتقاد. ولذلك ما إن تزيد تجاربنا ومعلوماتنا حتى يقل منسوب الحساسية. واللافت أنه كلما تقدم المرء في العمر قلَّ اكتراثه بما يقوله الناس عنه! وهذا ما يجعل المسنين يعيشون في سلام بعيداً من تأثير النقد.

تقبُّل النقد لم يعد ترفاً، فهو ينبغي أن يُمارس في البيت قبل المدرسة، ومن المعلم قبل التلاميذ، وإلا غابت القدوات، فنسير جميعاً نحو حتفنا لأننا لم نعد نتقبل شيئاً غير «طلاوة» المديح ولمعانه.