أندريا بيرنستاين
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

ترمب يحوّل خسائره في المحكمة إلى انتصارات

استمع إلى المقالة

في نيويورك، أمر قاضي المحكمة العليا في الولاية، آرثر إنغورون، دونالد ترمب وشركته بدفع مبلغ مذهل قدره 355 مليون دولار بتهمة الكذب مراراً وتكراراً، مع جرأة مذهلة حول قيمة أصوله. وجاء الحكم بعد أسابيع فقط من إصدار هيئة المحلفين، في قضية تشهير رفعتها الكاتبة إي جان كارول، أمراً لترمب بدفع مبلغ 83.3 مليون دولار، بتهمة الكذب أيضاً. هذا بالإضافة إلى استنتاجين سابقين لهيئة المحلفين، إذ تمت إدانة شركة ترمب بـ17 جريمة، بما في ذلك الاحتيال، وأمرته هيئة محلفين مدنية سابقة في قضية كارول بدفع 5 ملايين دولار بتهمة الاعتداء الجنسي، وعمل آخر من أعمال التشهير. ويستأنف ترمب في جميع الأحكام.

الواقع أن وصمة العار التي يحملها المرشح الذي يكاد يكون من المؤكد فوزه بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة تحمل صبغة مفادها أن القاضي وهيئة المحلفين وجدا أنه قادر على الكذب بطلاقة، هي في الواقع حقيقة مذهلة بما فيه الكفاية. ولكن الأهم من ذلك هو الاستمرارية بين كيفية قيام ترمب، في الأشهر الماضية، بممارسة ما يُحاكم من أجله بالضبط أمامنا، في قاعات المحكمة، بطريقة تفيد علامته التجارية مرة أخرى. حتى بعد أن بدأ ترمب يخسر، ويواجه عواقب مالية وتجارية حقيقية، كان يعمل على إيجاد طريقة للاستفادة، أو على الأقل محاولة الاستفادة، من الأحكام ومن عملية تقديمه للمحاكمة بأسرها.

بعد وقت قصير من وصول الحكم الصادر من القاضي إنغورون إلى المنصة، قالت ألينا هابا، إحدى محاميات ترمب، إنه سوف يستأنف الحكم.

وقالت المحامية: «إن هذا الحكم ظلم جلي، واضح وبسيط». ثم أضافت: «إنه تتويج لمطاردة سياسية دامت سنوات كثيرة، كانت مدفوعة سياسياً، ومُصممة لإسقاط دونالد ترمب». وقالت: «إن ساعات لا تُحصى من الشهادة برهنت أنه لم تكن هنالك مخالفة، ولا جريمة، ولا ضحية».

لقد شاهدتُ الآن قضيتين جلس فيهما ترمب على طاولة الدفاع، يوماً بعد يوم، من خلال شهادة كانت مملة للغاية، في محاكمة الاحتيال التجاري، ومثيرة للجزع بشكل واضح، في قضية كارول.

في الصباح الذي سبق محاكمة ترمب عن الاحتيال التجاري، اصطفّ الصحافيون لساعات خارج مبنى المحكمة المدنية. وتوقف عدد كبير منهم عند مدخل قاعة المحكمة، ما أدى إلى ازدحام الصحافيين ليلتقطوا بضع دقائق من وقت ترمب في طريقه إلى الداخل أو الخارج. ولهذه الفرص الصحافية، قام النجم التلفزيوني السابق بإحراز هدفه. وكان يقف عادة خلف حاجز، مستحضراً قضبان السجن، خارج قاعة المحكمة، ويتحدث إلى مؤيديه قائلاً: «يجب أن أكون الآن في أيوا ونيو هامبشاير، أو في ساوث كارولينا. لا ينبغي أن أكون جالساً في المحكمة».

لم يكن عليه الالتزام بأن يكون موجوداً هناك، وكانت الحواجز لحمايته. ولكن صورة ترمب خلف الحواجز ظهرت مراراً وتكراراً على مواقع الأخبار في جميع أنحاء العالم. وقد ذكرت رسائله الإلكترونية المخصصة لجمع الأموال المثول أمام المحكمة، وتحدث عنها خلال حملته الانتخابية.

في عام 2016، عندما ترشح للمرة الأولى للرئاسة، وصف ترمب حملته الانتخابية بأنها ممولة ذاتياً. عندما تحدثتُ مع الناخبين في ولايات مثل أيوا وأوهايو في ذلك العام، كان هذا من بين الأسباب الرئيسية التي جعلتهم يعتقدون أنهم يمكن أن يثقوا به، فهو لم يتم شراؤه بالمال. لكن هذا التمويل الذاتي، الذي ظهر مؤخراً في محاكمة الاحتيال المدني، كان اتجاهاً خاطئاً أيضاً، فقد قام بالفعل بتحرير الأموال النقدية لحملة عام 2016 هذه عن طريق الكذب بشأن أصوله للحصول على أسعار فائدة منخفضة بشكل مصطنع من «دويتشه بنك»، كما قالت المدعية العامة في نيويورك، ليتيتيا جيمس.

كان نجاح ترمب كمطور عقاري، وكنجم تلفزيوني، وفي حملته الأولى للرئاسة، يستند إلى حد كبير إلى إقناع الناس بأنه أكثر ثراء مما كان عليه.

وقد قال في إفادته لجيمس، التي أذيعت في محاكمة كارول الثانية: «أعني، أصبحت رئيساً بسبب العلامة التجارية، حسناً؟ أعتقد أنها العلامة التجارية الأكثر شهرة في العالم».

واستمر ترمب في جمع الأموال من أكاذيبه، وجدت لجنة مجلس النواب المختارة في 6 يناير (كانون الثاني) أنه بعد الكذب بشأن نتائج انتخابات عام 2020، جمع هو والحزب الجمهوري مبالغ ضخمة للجان العمل السياسي التابعة له، التي أفادت التقارير مؤخراً أنه أنفق نحو 50 مليون دولار في عام 2023 على دفاعاته القانونية. وأدى نشر لقطات له من سجن مقاطعة فولتون إلى جمع الملايين لصالح حملة ترمب.

خلال المحاكمة الثانية لكارول، عرض محاموها شريط فيديو صنعه ترمب بعد المحاكمة الأولى، وهو الفيديو الذي أظهره مسؤولاً عن الاعتداء الجنسي. في الفيديو وصفها مرة أخرى بالكاذبة والمحتالة، وهي نفس الكلمات التي ألحقها القاضي و3 من هيئة المحلفين به وبشركته. «هذه هي الحقيقة»، سمعتُ ترمب يقول من على طاولة الدفاع، وهو يشاهد الشريط بكل استحسان. واستخدم هذا الفيديو أيضاً لجمع الأموال لصالح حملته الانتخابية الرئاسية.

كسر ترمب مراراً وتكراراً الجدار الرابع في محاكمته، معترضاً على القضاة، وقال للقاضي إنغورون إنه كان جزءاً من أجندة حزبية، وعندما حذره القاضي لويس كابلان من المحكمة الجزئية الأميركية في مانهاتن بعد تفوهاته الشديدة المسموعة أمام هيئة المحلفين قائلاً: «ترمب لا يستطيع السيطرة على نفسه»، فردّ ترمب عليه قائلاً: «وأنت أيضاً لا تستطيع ذلك».

على الأرجح لن يفلت متهمون آخرون من العقاب، ولكن عندما يغادر ترمب قاعة المحكمة ليصف النظام بأنه «مزور»، وأن القضاة «يكرهون ترمب»، فإنه يعزز الشكوك لدى شريحة من السكان حول واحدة من المؤسسات القليلة المتبقية في ديمقراطيتنا ذات مظهر من مظاهر الثقة العامة. والواقع أن النتائج في السباق التمهيدي للحزب الجمهوري وإحجام غيره من الجمهوريين عن الحديث حول أحكام المحكمة، من الأسباب التي تعزز من هذه الشكوك.

في الساعات الأخيرة من المحاكمة الثانية لترمب بتهمة التشهير بكارول، قام محاموها بعرض شهادة مسجلة بالفيديو، قبل المحاكمة، من قضية الاحتيال التجاري التي ظهر فيها ترمب وهو يتحدث عن قيمة أصوله. وقال إنه يمكن أن يحصل على 1.5 مليار دولار مقابل منتجع مارالاغو، و2.5 مليار دولار مقابل نادي الغولف الخاص به في دورال بفلوريدا.

وأضاف: «أعتقد أن لدينا زيادة كبيرة في النقد بقيمة 400 مليون دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمطور عقاري». وزاد أن «المطورين العقاريين عادة لا يملكون المال. فلديهم أصول، وليس النقود». ثم وصف ترمب الأموال النقدية بأنها «أكثر من 400 مليون دولار وتزداد بشكل كبير كل شهر». وقد أثار حكم القاضي إنغورون الشكوك حول كل ذلك، لكن هيئة المحلفين لم تكن تعرف شيئاً من ذلك.

وقالت روبرتا كابلان، محامية كارول، في مرافعتها الختامية: «إنه لا يهتم بالقانون أو الحقيقة، ولكنه يهتم بالمال، وقرارك بشأن التعويضات العقابية هو الأمل الوحيد الذي يوقفه عن ذلك»، وأضافت أنه يجب أن يدفع «الكثير والكثير من المال».

صحيح أن ترمب يهتم بالمال، كما هو واضح. أن يؤمر بدفع مئات الملايين من الدولارات يعني شيئاً. وبرغم أنه لا يملك المال الكافي كما يريدنا أن نصدق، فإنه يملك بالتأكيد الأصول التي يمكنه استخدامها لسداد الأحكام القانونية. ولكن هذا الأمر يكاد يكون خارج الموضوع. وفي حكمه، كتب القاضي إنغورون أن المدعى عليه «يفتقر تماماً إلى الندم وتأنيب الضمير إلى حد مرضي». وفي قضايا أخرى، قد يثير هذا الحكم الخزي والعار. أما في حالة دونالد ترمب، فيمكننا مشاهدة كيف يستخدمه في بناء أمواله، وسلطته، ونفوذه.

*خدمة «نيويورك تايمز»