عندما أقدم الرئيس المصري الراحل أنور السادات على زيارة إسرائيل وقبوله وحيداً، بعد رفض الدول العربية قبول دعوته للمشاركة في مباحثات السلام، بإجراء معاهدة سلام مع إسرائيل استعاد بموجبها كافة الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل، كان هذا هو الاتفاق الأول من نوعه، وبعد سنوات من امتصاص الصدمة قام الأردن بعقد اتفاقية سلام مشابهة شكلت صدمة أخرى وإن كانت أقل حجماً من تلك التي سبقتها.
وبعد مرور سنوات عديدة على سلام مصر والأردن، وهما دولتان قد سبق لهما خوض الحرب ضد إسرائيل، فإن التطبيع الذي كانت تنشده إسرائيل لم يحصل قَطّ، بل فعلياً كل الذي حصل هو إنهاء حالة الحرب ووقف القتال.
حصل هذا بسبب عدم حصول أي حل جذري لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية بعد مرور أكثر من 75 عاماً على النكبة والاحتلال الإسرائيلي.
السعودية محتفظة بموقفها المبدئي الواضح والصارم والمتمثل في أنه «لا تطبيع مع إسرائيل من دون دولة للفلسطينيين»، وقد أوضح ذلك مجدداً وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال مقابلة أخيرة أجراها معه الكاتب الأميركي الشهير فريد زكريا في حلقة ضمن برنامجه التلفزيوني المعروف على قناة «سي إن إن» خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس على سفوح جبال الألب السويسرية، بتكرار نفس المبدأ السعودي، مما صدم المذيع وأجبره على إنهاء المقابلة شاكراً الوزير على صراحته وقوة إجابته.
واليوم الناخب الإسرائيلي تحكمه حكومة متطرفة جداً لا تعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، ويرأسها شخصية ملاحقة قضائياً بتهم الفساد، يقود جيشاً أشبه بميليشيا، متهماً أمام محكمة العدل الدولية بالإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
هذا هو الخط العدائي الإجرامي الصريح الذي اختارته إسرائيل، اختارته وهي تدرك تماماً أن المحيط العربي لن «يطبع» معها ما دامت بقيت حقوق الفلسطينيين مسلوبة ولم تقم دولتهم المستقلة، وهي بذلك ترسل رسالة واضحة وصريحة ليست بحاجة لتفسير أو تأويل.
واقع الحال الفلسطيني اليوم ليس بجديد ولا بمفاجئ، بل هو التطور الطبيعي والمنتظر لمجموعة غير بسيطة أو عادية من المواقف والتصريحات الإسرائيلية التي كانت جميعها تهدف إلى إلغاء الوجود والهوية الفلسطينية وتجريدهم من إنسانيتهم بعد وصف فلسطين بأنها «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، ووصف الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية»، وأنه لا أمان لإسرائيل إلا بإخراج الفلسطينيين من كافة الأراضي من النهر إلى البحر.
واليوم مع استمرار إسرائيل في ممارسة إبادتها للفلسطينيين وتجاوز عدد من قتلتهم في غزة خمسة وثلاثين ألفاً، أكثر من سبعين في المائة منهم من الأطفال والنساء، والضوء الأخضر الممنوح لها من القوى الدولية بحجة الدفاع عن نفسها، لا يمكن للمتابع المنصف والعادل والموضوعي إلا أن يصل لقناعة أن هذا الأسلوب لن يحقق سلاماً ولا تطبيعاً، وقد يشعل ناراً انطفأت من قبل.
ولذلك تبقى التصريحات الرسمية التي يدلي بها كبار المسؤولين في الغرب عن «ضرورة وأهمية حل الدولتين» أشبه بالهواء الساخن الذي لا يعني شيئاً على أرض الواقع من دون آلية لإجبار إسرائيل على تطبيقه والإذعان له، وذلك بالقوة الجبرية، وغير ذلك هو عقاب بقفازات من حرير.
جملة مهمة قالها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في كتابه المهم «فلسطين: سلام وليس أبارتايد»، أنه لن يكون هناك سلام حقيقي لإسرائيل من دون إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، وهي مسألة يدركها المسؤولون في الغرب بعد تركهم لمناصبهم الرسمية، متأخراً جداً.
ويبقى الموقف السعودي قوياً ومبادئياً وعلى نفس الفكرة التي انطلقت منها مواقف السعودية فيما يخص القضية الفلسطينية عبر الزمن، وهذا موقف قيادي ومؤثر يُحسب للقيادة السعودية ودبلوماسيتها، ولا شك بذلك.