هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

حسابات إنسانية تحرّك الضغوط الأميركية على إسرائيل!

استمع إلى المقالة

مع احتدام الحرب في الشرق الأوسط في العام الجديد، وازدياد المخاوف بشأن عدد القتلى الفلسطينيين، يختلف المسؤولون الأميركيون بشدة حول رسائل الإدارة الأولية لدعم إسرائيل.

ربما في أقسى انتقاداته لكبار الضباط الإسرائيليين حتى الآن، لاحظ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال حملة لجمع التبرعات الشهر الماضي، أن الحكومة الإسرائيلية تفقد الدعم الدولي لحربها في غزة. كما أشار إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أنه يدير «الحكومة الأكثر محافظة في تاريخ إسرائيل» وأنه شخص «لا يريد حل الدولتين» لصراع إسرائيل المطول مع الفلسطينيين. جاءت الإدانة الصريحة بعد ساعات فقط من تعهد نتنياهو علناً بمقاومة الضغوط الأميركية المتزايدة لجعل السلطة الفلسطينية مسؤولة عن غزة بمجرد أن تنتهي الحرب وتحقق إسرائيل هدفها المتمثل في إخراج «حماس» من دورها الحاكم.

من ناحية، تدعم الولايات المتحدة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لا سيما بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والذي قد يردد في الأذهان الأميركية 11 سبتمبر (أيلول). ومن ناحية أخرى، ستحتاج الولايات المتحدة إلى فهم مقايضات دعم حليف يتعرض للتدقيق المكثف من المجتمع الدولي حول كيفية شن هجماته، ثم تصبح هذه قضية أوسع من مجرد السياسة الخارجية وأكثر معضلة أخلاقية لمؤسسة الأمن القومي الأميركي وحتى الأمة ككل؛ إذ قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض جون كيربي للصحافيين في الشهر الماضي: «نحن جميعاً ندرك بالتأكيد أنه يمكن القيام بالمزيد للحد من الإصابات المدنية». وفي مؤتمر صحافي عقد قبل يوم واحد فقط في واشنطن، حذر وزير الخارجية أنتوني بلينكن من أنه «من الضروري» أن «تبذل إسرائيل جهداً» لحماية المدنيين في غزة، مشيراً إلى أن هناك «فجوة بين نية حماية المدنيين والنتائج الفعلية التي نراها نحن على الأرض».

وفي الوقت نفسه، أخبر وزير الدفاع لويد أوستن - متحدثاً في منتدى ريغان للدفاع الوطني الشهر الماضي في كاليفورنيا - الجمهور بأنه حث القيادة الإسرائيلية شخصياً على زيادة وصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير، مؤكداً أنه «في هذا النوع من القتال، مركز الثقل هو السكان المدنيون». وفي مؤتمر صحافي على جانب قمة المناخ الشهر الماضي في دبي، أكدت نائبة الرئيس كامالا هاريس أن موقف الولايات المتحدة «لا لبس فيه»، من حيث إنه «يجب احترام القانون الإنساني الدولي»، و«لقد تم قتل الكثير من الفلسطينيين الأبرياء».

ويمكن أن يؤثر الاختلاف على إسرائيل بطريقتين: الأولى، هي الدعم الذي تواصل الولايات المتحدة تقديمه لها على الساحة العالمية، والثانية، هي الدعم المادي وغيره من الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة. وسيصبح من الصعب توفير الأخير دون الأول، وتصبح الأمور أكثر تشابكاً إذا استخدمت إسرائيل المواد الأميركية في هجوم يتسبب في خسائر مدنية على سبيل المثال، وهناك أخبار عن القوات الإسرائيلية التي تستخدم الفوسفور الأبيض الذي قدمته الولايات المتحدة في هجوم في جنوب لبنان، حيث قتل العديد من المدنيين. وتم توفير الفوسفور بوصفه جزءاً من المساعدة العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل على أساس سنوي. وبالنسبة إلى بعض السياقات، تنفق الولايات المتحدة المليارات سنوياً على المساعدات العسكرية الأجنبية التي تذهب إلى مئات البلدان. لذلك، توجد فرصة أن المواد التي يستخدمها الجيش الأجنبي قد تتسبب في وفاة مدنيين سواء عن قصد أو من طريق الخطأ أو بشكل عشوائي.

في وقت لاحق، قالت إدارة بايدن أيضاً إنها تحقق في تقارير منظمة العفو الدولية وصحيفة «واشنطن بوست» بأن إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض المورد من الولايات المتحدة في انتهاك للقانون الدولي.

عضو الليكود في الكنيست داني دانون يتفاخر بكيفية تجاهل إسرائيل تماماً لطلبات بايدن الضعيف، ثم يشرح السبب: «كانت طلبات بايدن مدعومة بضغط صفر! لم يوافقوا على غزو بري - لكننا غزونا. ولم يوافقوا على «قصف» مستشفى الشفاء - لقد تجاهلنا طلبهم. أرادوا توقفاً مؤقتاً دون رهائن - لم نقبل ذلك. ليس لدينا إنذار أميركي. لا يوجد موعد نهائي من الولايات المتحدة».

وعلى مدى ما يزيد على ثلاثة أشهر من القتال، أُجبر نحو 2.3 مليون شخص في غزة على ترك منازلهم. وتقول إسرائيل إن قواتها توفر معلومات للمدنيين بشأن كيفية الوصول إلى مناطق آمنة، وأن الضرر السائد يرجع إلى تصرفات «حماس»، وهو اتهام ترفضه الحركة مراراً وتكراراً، ويرفضه الواقع.

بالإضافة إلى الضغط الخارجي، يواجه البيت الأبيض (بايدن) أيضاً ضغوطاً داخلية مكثفة للحد من هجوم إسرائيل على «حماس». وتسلط هذه المعارضة الضوء على انقسام قوي حول إسرائيل سائد بشكل خاص بين جيل الشباب.

وتأتي المعارضة، الداخلية والخارجية، مع مخاوف سياسية بالنظر إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2024 التي تقترب بسرعة والتوازن الدقيق بين جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، والتركيبة السكانية المتغيرة في الولايات المتأرجحة الحرجة، بما في ذلك المجتمع العربي الأميركي المتوسع في ميتشيغان.

السبب الجذري الآخر هو الرأي الذي له مؤيدون في جميع أنحاء الإدارة، بأن سلوك إسرائيل يثير مخاطر حرب أوسع، ومعها المزيد من الهجمات على القوات الأميركية.

قال مساعد الأمن القومي للبيت الأبيض جون فينر في مؤتمر عقد مؤخراً في واشنطن، إنه على الرغم من أن الإدارة لا تستطيع إملاء موعد نهائي لإنهاء الحرب على إسرائيل، فإن الولايات المتحدة «لديها نفوذ»، حتى لو لم تكن لديها سيطرة نهائية على ما يحدث على الأرض في غزة.

لكن مدى هذا التأثير مع استمرار الصراع، لا يزال موضع شك... ومع ذلك، قال مسؤولون أميركيون إنهم أوقفوا فتح حدود محتملة أخرى للحرب من خلال ردع إسرائيل عن شن هجوم على «حزب الله» في المنطقة الحدودية اللبنانية. ويقولون في الإدارة ستكون إسرائيل دائماً على استعداد للاستماع إلى الولايات المتحدة ولكنها ستتبع طريقها الخاص في نهاية المطاف. وهذا النهج مدفوع جزئياً بالحاجة إلى الدعم الأميركي، وجزئياً بهدفه الأقصى المتمثل في تدمير «حماس».

الضغط الأميركي لإنهاء العمليات يمكن أن يدفع إسرائيل إلى إعلان شيء مثل «النصر» بعد أن تطرد قادة «حماس» الرئيسيين - ولكن ربما قبل أن تتمكن من استئصال البنية التحتية لـ«حماس» بشكل كامل على الأرض وتحتها في غزة. فادعاءات الإدارة بأنها تضغط بنجاح على إسرائيل على الجبهة الإنسانية مبالغ فيها؛ لأن إسرائيل لديها مصلحتها الذاتية القوية لمنع الفوضى والانهيار في غزة.

لكن من ناحية أخرى، حذر تامير باردو، المدير السابق للـ«موساد»، الإسرائيليين من أن حكومة نتنياهو «المتطرفة» تهدد بتدمير العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وكتب: «الخطر الكبير على دولة إسرائيل هو أن إسرائيل، للمرة الأولى، قد تصطدم مباشرة مع مصلحة الأمن القومي الأميركي العليا. ويمكن أن يؤدي هذا السلوك غير المسؤول للحكومة الإسرائيلية وزعيمها إلى تهديد وجودي للدولة اليهودية وكذلك ليهود الشتات». وباردو الذي كان منتقداً قوياً لنتنياهو بعد أن أدار «الموساد» من عام 2011 إلى عام 2016، قال إن هناك علامات واضحة على هذا الطلاق الاستراتيجي الذي يلوح في الأفق، ويجب على الإسرائيليين أن يأخذوها على محمل الجد، ويحذر: «ويل لنا إذا خرج البنتاغون ووزارة الخارجية، في صباح أحد الأيام، ببيان إلى الكونغرس والبيت الأبيض يقولان فيه إن إسرائيل لم تعد رصيداً للولايات المتحدة وأصبحت عبئاً استراتيجياً»!