علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الغرامة الرائعة

استمع إلى المقالة

لست مع الغرامات كما أنني لست ضدها! ستقولون ما هذا التناقض، فكيف تكون لست مع الغرامات وفي ذات الوقت لست ضدها؟

لست ضد الغرامات التي تنظم حياة الناس المنضبطين والتي تردع المتهورين، ونظام «ساهر» المنظم للحركة المرورية في السعودية خير شاهد، فقد أراح هذا النظام الملتزمين بحركة السير وحماهم من تسلط المتهورين.

ولست معها لسبب واحد، وهو أن المشرع حينما شرع هذه الغرامات شرعها لتنظيم حياة الناس وحماية الملتزمين بالنظام من المخالفين له، ولكن المنفذين فهموا الأمر على غير ما أراده المشرع، فاتخذته الجهات المنفذة مصدراً للدخل ونوعاً من الجباية لتزيد دخل الجهاز، وأصبح مراقبو المخالفات يصدرون المخالفات بشكل فج لا سيما أن بعض هذه الجهات تعطي نسبة من غرامة المخالفة للمراقب، ما جعل المراقبين يصدرون المخالفات كيفما اتفق -ولا أعرف إذا كان مثل هذا الإجراء قائماً أم ألغي-.

على أي حال، التعسف في إصدار المخالفات جعل الكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة تغلق أبوابها، ما حرم الجهة من الرسوم التي تؤخذ على هذه المنشآت عند إصدار التراخيص، وحرمها من ضريبة المبيعات. وهذا أمر يحتاج لإعادة النظر وترتيب للأولويات لتبقى هذه المنشآت قائمة لحاجة المجتمع لها أولاً، وثانياً لأنها توظف عدداً من المواطنين وإن كان محدوداً ولكنه في المجموع كبير لتعدد هذه المنشآت.

لنأتِ للغرامة الرائعة، فقد أصدرت «البلديات» غرامة قدرها 1000 ريال (266.6 دولار) على من يضعون بقايا الأطعمة على الأرصفة بهدف إطعام الطيور، أولاً: وضع الأطعمة على الأرصفة يشوه المنظر العام للمدينة، ثانياً: يجعل هذه الأطعمة أفضل حاضنة للبكتيريا، ثالثاً: يخل بالتوازن البيئي، فتكاثر هذه الطيور من حمام وغيره يسبب أذىً لأصحاب المنازل، فهي تتكاثر على نوافذهم، وهو ما كلفهم مبالغ مالية لمكافحة هذه الطيور فضلاً عن التخلص من مخلفاتها المسببة للأمراض.

ولو وضعت بقايا الأطعمة بجوار المزارع أو الأودية المحيطة بالمدن لكان الأمر أفضل، ولأضفت هذه الطيور جمالاً للمكان. هذا من جانب، الجانب الآخر أن «البلديات» بصدد وضع ثلاث حاويات في الأحياء واحدة منها مخصصة لبقايا الأطعمة، ووضع بقايا الأطعمة في هذه الحاوية يُمكن من إعادة تدويرها، وجزء منها سيصبح أعلافاً للطيور والحيوانات، ما يجعل الاستفادة منها أكبر بحكم أنها ستباع على المربين المحترفين. والحاوية الثانية، ستوضع للورق والبلاستك وما يمكن تدويره والاستفادة منه، والحاوية الثالثة ستوضع للمخلفات التي لا يستفاد منها أو لا يمكن تدويرها، وهذه سيتخلص منها بطريقة صحية لا تضر بالبيئة.

هذه الغرامة الرائعة رجوت ألا تقتصر على الأرصفة، بل رجوت أن تشمل الأراضي البيضاء داخل المدن، والتي أصبحت مصدراً للعفن والبكتيريا داخل المدن، كما أن الناس يضعون مجتهدين المياه لهذه الطيور ما يخلق بيئة مناسبة جداً لتكاثرها لتصبح مؤذية لأصحاب المنازل. وبما أن عاملي النظافة يجوبون المدينة كل صباح فرجوت من «البلديات» أن تعمدهم بإزالة المياه ووضع أوانيها في سيارات النظافة لنجبر الطيور على الهجرة إلى المزارع والأودية. ودمتم.