د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

مشكلة الصين الاقتصادية الراهنة

استمع إلى المقالة

في ظل المشكلة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها الصين، فإنها تسعى إلى تحفيز الطلب المحلي وتحسين التعافي الاقتصادي في 2024؛ إذ ستواصل تنفيذ سياسة نقدية حكيمة وسياسة مالية استباقية، حيث إن التعافي الاقتصادي لا يزال في مرحلة حرجة، ومن المأمول أن تتمكن «المجموعة الاقتصادية الصينية» من تقديم المشورة لتعزيز التنمية عالية الجودة والمساعدة في توسيع الطلب المحلي، ومنع المخاطر وحلها، وبذل جهود لزيادة الطلب الداخلي وإيجاد بيئة مؤاتية للاستهلاك والاستثمار؛ إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين عام 2022 ما قيمته 17.963 تريليون دولار وفقاً لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي لعام 2023.

وستسعى الصين إلى تحسين اتساق سياسات الاقتصاد الكلي بفاعلية النشاط الاقتصادي، وتتعامل مع المخاطر، وتحسن التوقعات الاجتماعية، وترسخ وتحسن التوجه الإيجابي للتعافي الاقتصادي، وتواصل تدعيم التحسن الفعال لنوعية النمو الاقتصادي المعقول، وإلى أن الجهود يجب أن تبذل لزيادة الطلب المحلي وتشكيل دورة قوية لتعزيز الاستهلاك والاستثمار معاً، والحاجة لتعميق الإصلاحات في مجالات أساسية، والضخ باستمرار محفزات قوية في عملية تنمية عالية الجودة.

وأطلقت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات السياسية في الأشهر الأخيرة لدعم التعافي الاقتصادي الضعيف بعد الوباء، والذي تأثر بأزمة العقارات ومخاطر ديون الحكومات المحلية وتباطؤ النمو العالمي والتوترات الجيوسياسية؛ إذ نفذ البنك المركزي تخفيضات متواضعة في أسعار الفائدة وضخ مزيداً من الأموال في الأشهر الأخيرة لدعم النمو. وكشفت الصين عن خطة لإصدار سندات سيادية بقيمة تريليون يوان (ما يعادل 139.84 مليار دولار) بحلول نهاية 2023.

ولا يزال الانتعاش في زخم الطلب الخارجي الإجمالي للصين خارج المستوى المطلوب لنهوض الاقتصاد الصيني، على الرغم من ارتفاع قيمة اليوان بأكثر من 2.5 في المائة مقابل الدولار الضعيف؛ إذ إن فروق أسعار الفائدة وعوائد ومؤشر الدولار قد تؤدي إلى سلسلة من التقلبات؛ إذ إن التعافي الاقتصادي للصين لا يزال في مرحلة حرجة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وضرورة دعم النمو عبر مزيد من السياسة المالية الاستباقية والفعالة، حيث تحولت الصادرات بالدولار بشكل إيجابي قليلاً، بعد تراجع طويل، وسط مؤشرات على ضعف نشاط الصناعات التحويلية، ويتعين على الحكومة الصينية مواصلة تنفيذ السياسات المالية الاستباقية والسياسات النقدية الحكيمة.

على الصعيد العقاري، تعهدت الحكومة بتسهيل مزيد من الدعم لقطاع العقارات المضطرب، بالإضافة إلى السياسات الرامية إلى تعزيز سوق العقارات، وزيادة الدعم المالي، في الوقت الذي تظل فيه السياسة النقدية متكيفة؛ إذ إن تعافي الطلب المحلي في الصين لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدعم.

على صعيد آخر؛ يواجه اقتراح الصين رفع مستوى الاستثمار بشكل كبير في صناديق الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري، معارضة من العاملين في الصناعة الذين يشعرون بالقلق من أنه قد يؤدي إلى تراجع الصناديق الصغيرة، وخنق التمويل أمام المستثمرين في الشركات الناشئة التي تكافح في ظل اقتصاد تراجع في هذه المرحلة.

وقد أعلن البنك الدولي في تقرير أن الاقتصاد الصيني سيتباطأ في عام 2024؛ حيث سينخفض النمو السنوي إلى 4.5 في المائة من 5.2 في المائة هذا العام، على الرغم من الانتعاش الأخير الذي حفزته الاستثمارات في المصانع والبناء والطلب على الخدمات؛ إذ إن تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من انتكاسات جائحة «كوفيد19»، من بين صدمات أخرى، لا يزال هشاً، ويواجه ضعفاً في قطاع العقارات وفي الطلب العالمي على الصادرات، وارتفاعاً في مستويات الديون والتقلبات في ثقة المستهلك؛ إذ إنه من المتوقع أن يتباطأ النمو أكثر في عام 2025، إلى 4.3 في المائة من 4.5 في المائة العام المقبل، حيث أثرت القيود الصارمة على السفر والأنشطة الأخرى خلال الوباء على التصنيع والنقل، مما أدى إلى فقدان الوظائف بسبب تلك الاضطرابات والحملة الصارمة على قطاع التكنولوجيا، إلى جانب الانكماش في صناعة العقارات، مما دفع كثيراً من الصينيين إلى تضييق محافظهم.

هذا بالإضافة إلى أن معظم الوظائف التي جرى توفيرها خلال فترة التعافي في الصين كانت أعمالاً منخفضة المهارات في صناعات الخدمات منخفضة الأجر؛ إذ يتوخى الصينيون الحذر أيضاً نظراً إلى الطبيعة الهشة لشبكات الأمان الاجتماعي وحقيقة أن السكان يشيخون بسرعة، وهو ما يفرض عبئاً أثقل على الأجيال الشابة لدعم كبار السن؛ إذ سلط تقرير البنك الدولي الضوء على حاجة الصين إلى مواصلة إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وعلى أن التحركات التي تتخذها الحكومة لتحمل عبء دعم الحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة مالية، من شأنها أن تساعد أيضاً في تحسين الثقة في الاقتصاد.

وفي الختام، فإن الاستثمار العقاري في الصين انخفض بنسبة 18 في المائة خلال العامين الماضيين، وهناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتسوية الديون غير المدفوعة لمطوري العقارات المثقلين بالديون، وكان التباطؤ أسوأ في المدن الصغيرة التي تمثل نحو 80 في المائة من السوق في الصين، وقد جرى تعويض بعض هذا الضعف عبر الاستثمار القوي في التصنيع، خصوصاً في مجالات مثل السيارات الكهربائية والبطاريات... وغيرها من تكنولوجيات الطاقة المتجددة وفي المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل رقائق الكومبيوتر التي تحظى بدعم حكومي قوي.

وبالنظر إلى المستقبل؛ فإن البيئة؛ الداخلية والخارجية، التي تواجه تنمية الصين لا تزال معقدة. ولمواصلة تعزيز التعافي الاقتصادي؛ تزداد الحاجة إلى التغلب على الصعوبات والتحديات؛ إذ إن الاقتصاد الصيني يتمتع بمزايا سوق واسعة تضم 1.4 مليار نسمة وقاعدة صناعية متقدمة.