د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

شراكة مبنية على مبادئ واضحة وأسس راسخة

استمع إلى المقالة

احتضنت العاصمة السعودية الرياض الشهر الماضي قمة سعودية - أفريقية، تؤسس لتعاون استراتيجي بين الجانبين في مختلف المجالات الاقتصادية، والاستثمارية، والسياسية، والأمنية والثقافية، بما يعزز المصالح المشتركة ويحقق التنمية والاستقرار، إذ تحظى السعودية بثقة واحترام كبيرين لدى قادة الدول الأفريقية، باعتبارها صمام أمان للعالمين العربي والإسلامي، وتقود سياسة حكيمة تركز على المصالح الاقتصادية والتنموية، التي ستحقق نجاحاً كبيراً؛ نظراً للعديد من القواسم المشتركة بين الجانبين، من أهمها الدور الكبير للسعودية في القارة الأفريقية، وقربها الجغرافي، إلى جانب البعد الديني، وسياستها الواضحة والشفافة تجاه أفريقيا، بجانب أن مجالات التعاون بين السعودية والدول الأفريقية كبيرة وواعدة جداً، في الاقتصاد والتجارة والاستثمارات.

إن عناصر بناء القوى الناعمة السعودية، تعد مؤشراً على ما تملكه السعودية من إيمان وثقة برؤية تنموية شاملة لا تقتصر على السعودية وشعبها فقط، بل تمتد إلى الدول والشعوب العربية والأفريقية، ويصل أثرها الإيجابي لدول العالم برمّته؛ نظراً لما تتميز به السعودية من ثروات طبيعية واقتصاد متين باعتبارها واحدة من مجموعة العشرين، وذات موقع جغرافي استراتيجي مميز يمثّل حلقة وصل بين الشرق والغرب، حيث تمتلك السعودية المقومات التي تجعل منها المدينة المثالية لإقامة النشاطات الاقتصادية، بجانب قدرتها على الابتكار التي تعطي السعودية امتيازاً أكبر من خلال البنية التحتية، والموقع الجغرافي، والاقتصاد المتطور، وارتفاع مستوى الأمن والأمان، في مسرح التنافس العالمي.

وجهت السعودية جهودها خلال هذه المرحلة، من أجل تسريع وتيرة التحديث في مجال التقنية من خلال زيادة أنشطة البحث والتطوير لغرض تحسين جودة المنتجات والخدمات وتطويرها، وهدفها من ذلك استيعاب المعرفة التقنية التي تتوافق مع ظروف البلدان النامية التي عادة ما تقدم في شكل خدمات استشارية، والتوجه نحو التصدير كان مبعثه بدرجة أساسية هو التنمية، وتوفير قوة العمل ذات المهارة التقنية الجيدة، ما جعل السعودية تعمل على تطوير ميزتها التنافسية في هذا المجال عبر تركيز جهودها في أنشطة البحث والابتكار والتطوير ورفع مستوى إنتاجيتها لكي تحافظ على مستوى متقدم على الصعيد العالمي.

وعدّ قادة أفريقيا، السعودية نموذجاً يحتذى به عبر جهودها التنموية في أفريقيا، ولها دور محوري في دفع عجلة التنمية في القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، بخلاف الدعم المالي والجوانب السياسية والأمنية والاندماج الإقليمي، إذ قدمت السعودية أكثر من 45 مليار دولار لدعم المشروعات التنموية والإنسانية في 54 دولة أفريقية، حيث أطلقت السعودية المبادرة الإنمائية في أفريقيا، وذلك عبر تدشين مشروعات وبرامج إنمائية في دول القارة بقيمة تتجاوز مليار دولار على مدى 10 سنوات، وضخ استثمارات جديدة في مختلف القطاعات بما يزيد على 25 مليار دولار، وتمويل وتأمين 10 مليارات دولار من الصادرات وتقديم 5 مليارات دولار تمويلاً تنموياً إضافياً إلى أفريقيا حتى 2030، وتحرص السعودية على دعم الحلول المبتكرة لمعالجة الديون الأفريقية.

إن القمة الأولى مطالبة بالتأسيس لهذا المسار ووضع الخطط الناجعة لدفعه وتوسيعه والمضي به قدماً بخطى ممنهجة ثابتة، وشراكة تبنى على رؤية ومبادئ واضحة بين القارة الأفريقية والسعودية، من خلال رؤية مشتركة، ومن الحكمة أن تكون الشراكة مبنية على أجندة محددة لعقود قادمة، وتطويرها ومضاعفتها بالتزامن مع الاستراتيجية القصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، لا سيما التنموية والاقتصادية، حيث إن أولوية القارة تتمثل في البنية التحتية والطاقة والأمن الغذائي والزراعة والتقنية الحديثة، وتحريك الموارد المالية للأغراض التنموية وبناء القدرات البشرية بما يتسق مع احتياجات الملايين من النساء والشباب للتقليل من البطالة والحد من معدلات الهجرة.

وفي إطار متابعة قرارات القمة، فقد أقر القادة توصيات القمة بشأن تشكيل مجموعات العمل الأربع: مجموعة الشأن السياسي والأمني والعسكري ومحاربة التطرف والإرهاب، ومجموعة الشأن الاقتصادي والتنموي والتجاري والاستثماري، ومجموعة الشأن الثقافي والتعليمي والتواصل الحضاري، ومجموعة الشأن الإنساني والصحي، وأن تعقد أعمالها خلال 6 أشهر من انتهاء القمة لمتابعة مخرجاتها.

وتعزيزاً لجهود السعودية المشتركة مع الدول الأفريقية لتنمية الاقتصاد الرقمي وتسهيل الوصول للحلول الرقمية، ودور السعودية الريادي في مشاركة أبرز النجاحات من القطاع الخاص في مجال الحكومة الرقمية؛ أطلقت السعودية، بالتعاون بين هيئة الحكومة الرقمية ومنظمة التعاون الرقمي، مبادرة السوق الرقمي (إمباكت)، التي تركز على مشاركة الدول لنجاحاتها في مجال الحكومة الرقمية، مما يسهم في تعزيز الوصول للخدمات الرقمية، ورفع جودة الحياة، وتنمية الاقتصاد الرقمي، وتعكس هذه المبادرة التزام السعودية بالتعاون مع الدول الأفريقية؛ لتعزيز التنمية الرقمية، وتبادل الخبرات والمعرفة، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفي الختام، أهمية استمرار بذل الجهود لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المشتركة من خلال تنويع التجارة البينية، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات الاقتصادية في الجانبين، إذ إن المقومات الاقتصادية المتنوعة لدى السعودية والقارة الأفريقية والفرص التي تقدمها «رؤية السعودية 2030» والأجندة الأفريقية 2063، تعزز التعاون في شتى المجالات، وتشكل منفعة اقتصادية متبادلة، وأهمية بحث سبل تفعيل وتعزيز التعاون المشترك في مجالات النقل والخدمات اللوجيستية، وبالأخص في مجال الربط الجوي ومجال النقل البحري والموانئ بما يحقق المصالح المشتركة بينها، وتؤسس شراكة مبنية على مبادئ واضحة وأسس راسخة.