ماذا بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول) الجاري الداعي إلى وقف إطلاق النار في حرب غزة لدواعٍ إنسانية؟ هل لجوء أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بشكل نادر واستثنائي للمادة 99 من الميثاق لطلب انعقاد مجلس الأمن الدولي لبحث أزمة غزة وتداعياتها الإنسانية، سيؤدي إلى توتير علاقاته بالولايات المتحدة التي كشفت أمام العالم ولاءها الأعمى ودعمها اللامشروط لإسرائيل، وهل «ستغفر» له إيقاعه لها في هذه الورطة؟ وهل سيذهب الأمر بها إلى الانتقام منه وتوتير علاقاتها به كما كان تعاملها مع الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام السابق؟ وهل سيستسلم في مواجهة الولايات المتحدة أم سيسعى إلى استخدام كل ما يتيح له الميثاق من سلطات لفرض احترام قواعد القانون الدولي ويكون بذلك يخدم بشكل غير مباشر القضية الفلسطينية في هذه المرحلة؟
في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت بطلب من غوتيريش استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي تقدمت به الإمارات العربية المتحدة للوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية. إذ صوت لصالح القرار 13 عضواً من أعضاء المجلس الـ15، وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت.
وفي ضوء استخدام الولايات المتحدة حق النقض عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة طارئة في 12 ديسمبر بطلب من 21 دولة عربية تقدمت بمشروع قرار مدعوم من عدد كبير من الأعضاء يدعون إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية ويطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية. ويشير طلب عقد الجلسة الطارئة إلى رسالة الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن في 6 ديسمبر بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة وفق نشرة أخبار الأمم المتحدة.
فكرة الانعقاد التلقائي للجمعية العامة في حالات قيام الدول الدائمة العضوية باستخدام حق الفيتو جاءت في نطاق الأزمة الأوكرانية - الروسية باقتراح تقدمت به ليختنشتاين وبرعاية أميركية، و83 دولة صدر بشأنها في 26 أبريل (نيسان) 2022 قرار الجمعية العامة ذات الرقم L. 52 المعنون «إنشاء ولاية دائمة لإجراء مناقشة في الجمعية العامة عندما يُستخدم الفيتو في مجلس الأمن».
والجميل في هذا الأمر تصريحات السفير ريتشارد ميلز نائب المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة قوله: «إن الولايات المتحدة ترى ميزة عقد اجتماع الجمعية العامة تلقائياً عند استخدام حق النقض. واتهم روسيا استخدامها حق النقض بأنها انتهكت بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة وأعاقت جهود مجلس الأمن»، وأضاف: «لقد قللت روسيا من دور وسمعة مجلس الأمن، وقوّضت ميثاق الأمم المتحدة وشوهَت الأمم المتحدة». أليست تلك الانتقادات الحادة الموجهة ضد روسيا تنطبق اليوم بذاتها على الموقف الأميركي تجاه الحرب على غزة؟ ألا تستحق الولايات المتحدة أن توجه لها إدانات أشد وليس مجرد انتقادات شكلية بسبب أن الصراع يكمن بين إسرائيل التي تمتلك أقوى جيوش المنطقة في مواجهة عسكرية ضد حركة مقاومة وطنية وشعب أعزل ما أدى إلى عشرات آلاف الشهداء أغلبهم من النساء والأطفال بعكس الحرب الروسية - الأوكرانية؟ حيث أظهر تصويت دول المجتمع الدولي نقطة فارقة بين الحالتين الأوكرانية والفلسطينية.
ففي جلسة الجمعية العامة في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي طلب القرار الذي أعده الأردن باسم المجموعة العربية «هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة (تفضي إلى وقف للأعمال العدائية) بين إسرائيل و(حماس)»، حيث صوت لصالح القرار 120 عضواً، وعارضه 14، فيما امتنع 45 عضواً عن التصويت من أصل 193 عضواً في الجمعية العامة.
أما في جلسة الجمعية العامة التي انعقدت في 12 ديسمبر (بعد الفيتو الأميركي في مجلس الأمن) جاءت نتيجة التصويت على القرار الذي يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية (وليس مجرد هدنة إنسانية) بموافقة 153 عضواً ومعارضة 10 وامتناع 23 عن التصويت. هذا التصويت غير المسبوق في الجمعية العامة، الذي كما أشار مندوب مصر، تمت صياغته لتتطابق بنوده مع بنود مشروع القرار الذي طُرح على مجلس الأمن، والذي كما أشرنا سابقاً إلى أن الولايات المتحدة انفردت باستخدامها حق النقض لإلغائه. وهناك مقارنة بين القرار المتعلق بحرب إسرائيل على غزة بقرار آخر اتخذته الجمعية العامة في 2 مارس (آذار) 2022 فيما يخص الأزمة الأوكرانية - الروسية الذي استنكر الهجوم الروسي على أوكرانيا ودعا موسكو إلى سحب جميع قواتها على الفور في خطوة تهدف إلى عزل روسيا سياسياً، ولم يحظ القرار الموصوف بالتاريخي بأكثر من 141 لصالحه ومعارضة 5 دول وامتناع 35 دولة عن التصويت.
ونعود بالذاكرة إلى أنه في 13 ديسمبر 1988 ألقى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات خطابه التاريخي في جنيف التي انتقلت إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن حال قرار أميركي دون ذهابه هذه المرة إلى نيويورك كما حدث في عام 1974.
وفي التاريخ نفسه 13 ديسمبر لعام 2023 توجه وفد من مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي إلى مدينتي العريش ورفح للقاء المسؤولين الإنسانيين وتفقد إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، التي تغيبت عن حضورها الولايات المتحدة. هل هذا الأمر مجرد صدفة في تقارب مواعيد الحدثين، أم هي رسالة موجهة لمن يعنيهم الأمر؟
وللحديث بقية.