مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

هل تبادلوا الأدوار؟!

استمع إلى المقالة

عام 1371هـ الموافق 1952م، ورد في جريدة «البلاد» السعودية هذا الخبر:

«دعا صاحب السمو الملكي الأمير نواف، أمير القصور والحرس الملكي، لافتتاح أول مصنع للثلج بمدينة الرياض، وأُقيم بهذه المناسبة سرادق كبير أمام المصنع، وقد أخذ المدعوون يتوافدون يتقدمهم الأمير سعود بن عبد الرحمن، وأصحاب السمو الملكي الأمراء فهد وعبد الله ومشعل وسلطان وتركي وبدر ونواف وفواز، وفي تمام العاشرة والنصف شرَّف المكان صاحب السمو الملكي الأمير سعود ولي العهد المعظم، ولدى وصوله كان في استقباله الأمراء حيث كان معيته وزراء الدولة الشيخ يوسف ياسين والشيخ عبد الرحمن الطبيشي والدكتور مدحت شيخ الأرض، وبعد شرب القهوة ألقى المهندس المصري الذي قام بالإشراف على المصنع السيد علي غائب، كلمة، وقدَّم لسمو ولي العهد هدية هي عبارة عن قالب من الثلج من إنتاج المصنع».

وكل الأسماء التي وردت في ذلك الخبر، كلها الآن انتقلت إلى رحمة الله تعالى، ورغم فرحة الجميع بهذا المصنع، فهو يدل كذلك على الرغبة الجامحة في دخول العصر الحديث، خصوصاً إذا عرفنا أن عدن في ذلك الوقت قد قطعت شوطاً بعيداً في هذا المجال، والدليل أن كثيراً من المصنوعات التي تستوردها السعودية كانت تأتي من عدن بما فيها الثلاجات.

وللمعلومية فقد احتلت بريطانيا مدينة عدن عام 1889، وقفزت بها قفزات رائعة، واعتمد الإنجليز على تقسيم صارم بين المدنية والريف، وخلال أربعينات وخمسينات القرن العشرين، أصبحت عدن أحد أكثر موانئ العالم نشاطاً، بل كانت الثانية في الترتيب بعد نيويورك.

كانت عدن أول مدينة عربية تزورها ملكة بريطانيا الراحلة بعد نحو عامين من توليها العرش، وكان ذلك عام 1954، وقد استُقبلت الملكة مع زوجها الأمير فليب بعرض عسكري كبير بالآلات الموسيقية وبحضور الآلاف من الأهالي، وقد اصطف جنود الحرس الملكي على طول رصيف الميناء يُلقون التحية العسكرية للملكة البريطانية الشابة التي كان عمرها آنذاك لا يتجاوز الثلاثين، وبدأت باستقبال عدداً من قيادات ورموز عدن وقتها الذين قَدِموا لاستقبالها بأكاليل من الزهور المقدَّمة من طالبات مدارس عدن.

وهناك صورة جوية في العام نفسه لعدن بعمائرها وشوارعها المسفلتة والمشجّرة والنظيفة والممتلئة بالسيارات، وصورتان في الوقت نفسه لدبي وأبوظبي المغبّرتين والمتخلّفتين الممتلئة طرقاتهما بالعربات التي تجرها الحمير.

والآن سبحان الله كيف انقلبت الأمور رأساً على عقب، فأين هي الآن دبي وأبوظبي، وأين هي عدن؟! هل تبادلوا الأدوار؟!