مايكل روث
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

قيمة تعليم لا ينتهي أبداً

استمع إلى المقالة

لقد ترأست لأكثر من 15 عاماً يوم بدء الدراسة في جامعتي، وهو الوقت الذي توصل فيه الأسر أبناءها وبناتها الذين على مشارف بدء حياتهم الجامعية. ويتحدث بعض الآباء كل عام إلي بشكل شخصي، ويقولون لي إنهم يتمنون لو كانوا في المرحلة الجامعية الآن، مشيرين إلى أنهم كانوا سوف يستفيدون بشكل أكبر من التجربة لأنهم أصبحوا متعلّمين أفضل.

أطلقت إحدى الأمهات على نفسها ضاحكة اسم «طالبة دائمة»، وكانت تعني أنها واصلت التعلم من أجل متعة وبهجة التساؤل والاستفسار. مع ذلك، عادة ما يكون ذلك المصطلح موضع استهزاء رقيق ويشير إلى شخص يواصل الالتحاق بالمزيد من الدورات التعليمية كطريقة لتفادي التمسك والتقيد بوظيفة. بعبارة أخرى، إنه شخص كسول أو فاشل، وأعتقد أن ذلك أمر خاطئ. ينبغي أن نبدأ النظر إلى ذلك التعلم، الذي يمتد طوال الحياة، بأنه طريقة لا تتيح للأفراد اكتساب المعرفة فحسب، بل التحرر أيضاً. لا يعدّ كون المرء طالباً دائماً، في شكله المثالي، تفادياً وإعراضاً، بل مسار لتقرير المصير بشكل دائم وللحرية.

لم تكن فكرتا «الحرية» و«الطالب» دائماً مرتبطتين ببعضهما بعضاً. كانت المدارس في أوروبا قبل العصر الحديث قليلة ومتباعدة، لكن مع ذلك كان هناك تعليم استهدف الاستقلال الاقتصادي والاندماج مع جماعة أو مجتمع. تم تأسيس الجامعات في العصور الوسطى، ومع تزايد نفع وفائدة تعلّم القراءة والكتابة ثقافياً واقتصادياً، خاصة بعد الإصلاح البروتستانتي، أصبح التعليم المدرسي الأساسي أكثر شيوعاً.

بالنسبة إلى الفيلسوف كانط، الذي عاش في القرن الثامن عشر، كان الطالب الذي يسعى وراء التنوير والمعرفة هو من يترك وراءه «عدم النضج المفروض ذاتياً»، ويتعلم التفكير بنفسه. مع ذلك، يقال إن البعض يوجد خارج مجال التعلم تماماً، على الأقل هذا النوع من التعلّم الذي يمكّن المرء من أن يصبح مستقلاً. ومع التشويهات الفكرية، التي غذّتها العنصرية والمنفعة الذاتية الاقتصادية، أوضح الكثير من مفكري ومؤلفي عصر التنوير، كما هو مفترض، أن الأرقاء لا يمكن أن يصبحوا طلاباً، وأنهم لا يتمتعون بالإمكانيات التي تجعلهم أحراراً. وأقرّت دول قوانين تمنع تعليم الأشخاص المستعبدين، وأصبح التعليم فعل مقاومة.

أصبح التعليم المدرسي الرسمي أكثر انتشاراً في أنحاء الغرب خلال القرن التاسع عشر، وبدأت النقاشات عن التعليم تركّز على إعداد مفكرين مستقلين قادرين على أن يصبحوا مواطنين أحراراً. مع ذلك، سرعان ما ظهرت أسئلة، منها: هل المدارس تساعد حقاً الطلبة على التفكير بأنفسهم أم تلقنهم فحسب أحدث الأعراف المتبّعة؟ هل التعلم المتطور يؤدي إلى مكاسب علمية تنفع المجتمع، أم أنه سوف يكوّن مجرد تبريرات لأشكال انعدام المساواة الناتجة من التحول الصناعي تخدم المصلحة الفردية الذاتية؟ بحلول منتصف القرن التاسع عشر دعا والدو إيمرسون المواطنين إلى العيش بشكل أكثر استقلالاً من خلال تبني الانفتاح والإبداع. ولم تكن حرية الطالب بالنسبة إليه مجرد مسألة فكرية، بل كانت مرتبطة ومتعلقة بمعارضة ومخالفة العرف، ولا ينبغي أن تنتهي عند المدرسة.

يتم افتراض ذلك الرابط بين التعلم والحرية في الكثير من الانتقادات الموجّهة إلى الطلبة اليوم بصفتهم انتقاديين أو نسبويين، ورجعيين أو متطرفين، وندف ثلج مدللة أو مناضلين من أجل العدالة الاجتماعية. ومع تحول فزّاعة الصواب السياسي خلال التسعينات داخل أذهان أعدائه إلى ثقافة الصحوة والإلغاء، بات من الممكن للمرء أن يرى بوضوح أكبر من أي وقت مضى أن فكرة الطالب هي شاشة يعكس عليها الناس مخاوفهم المتعلقة بالمستقبل، وربما قلقهم من أنفسهم.

هناك الكثير من الطرق التي يصبح بها المرء طالباً، حيث يناضل البعض لتحقيق التوازن والتناغم من خلال التواؤم مع سياقهم التعليمي، في حين يبني الآخرون قوة فكرية من خلال انتقاد كل خطوة يتخذها المعلم. إنهم يعملون، من خلال التجرؤ على مخاطبة معلميهم بشكل انتقادي وتنافسي، بجهد أكبر، ويتعلمون التفكير بشكل أعمق. يتعلم بعض الطلبة من خلال المحاكاة، ويتوقون إلى اتبّاع زملائهم داخل الصف الدراسي، إلى جانب معلمهم. إن جوهر كل تلك المناهج هو تنمية القدرة على التفكير المستقل من خلال التعلّم من الآخرين.

في النهاية، يتعلم الطالب الحقيقي الحرية من خلال تنمية الفضول، والقدرة على التمييز، والإبداع لخدمة مصلحة الفرد والجماعة. هذا الازدهار مختلف عن التدّرب على أيدي معلم لأداء مهمة أو الحصول على شارة، ومختلف أيضاً عن الرضا الذي يشعر به المرء من خلال امتلاك أشياء، أو معايشة تجارب داخل السوق.

في الحرم الجامعي يتعلّم الطلبة بطبيعة الحال مهامَّ محددة ويستمتعون بالتجارب، لكنهم كطلبة يفعلون أمراً أساسياً وغير محدد بدرجة أكبر. إنهم يتعلمون الحرية من خلال معرفة أنفسهم، وما يمكنهم فعله، بما في ذلك كيف يفكرون، ودائماً ما يحدث ذلك بالاشتراك مع آخرين. يزدهر وينجح الطلاب من خلال الاكتشاف وتنمية قدراتهم معاً.

لهذا السبب؛ يمثل كون المرء طالباً دائماً تحدياً كبيراً، فمع تحول مجتمع نحو التفتت والاستقطاب، تصبح مساحات التعليم غير الرسمية، التي تتيح للبالغين التعلّم من أشخاص لديهم وجهات نظر مختلفة، أقل وأكثر تباعداً. وبات من الصعب ممارسة التواضع الفكري، الذي يتطلبه دور الطالب، حين يكون من المفترض على المرء أن يمتلك سلطة وثقة مرحلة الرشد. مع ذلك ينجح البعض في تحقيق ذلك في أوقات متعددة من حياتهم من خلال العثور على رفقة من المتعلّمين. قد يحدث ذلك داخل نوادي الكتب، أو الصفوف الدراسية على الإنترنت، أو ربما من خلال تحفيز التفاعلات مع زملاء العمل.

أن تكون طالباً يعني أن تكون حياً ومتيقظاً للعالم ومتنبهاً للذات، فلم يرِد أي شخص التخرج وإنهاء ذلك؟