يكرر السعوديون في كل احتفالية باليوم الوطني، ولا تثريب عليهم، أن أحد أعظم الإنجازات الوطنية هو الحفاظ على العقد الثابت والقوي بين الحاكم والمحكوم، بين الراعي والرعية، مما جعل المملكة تعطي نموذجاً للحكم الملكي الراشد المستقر والمزدهر، كما أثبتت تجربة الملكية السعودية مع الممالك العربية الأخرى، مع تفاوت في التجربة، أن النظام الملكي هو ضمانة الاستقرار والاستمرار، مقارنة بالأنظمة الثورية التي اتخذت من الجمهور مصدراً للسلطات، فاستفرد الثوريون بكل السلطات ومن دون الجمهور، ليقودوا بلدانهم قيادة طائشة باطشة فاسدة، وليتحول عدد من هذه الدول إلى فاشلة أو شبه فاشلة.
كان بعض الإعلاميين العرب يعلنون إعجابهم بقادة الدول الثورية وازدرائهم للأنظمة الملكية ويقولون بكل استعلاء كلاماً غير لائق في حقها، فهلا يحدثنا الآن هؤلاء عن تجربتهم بعد انقشاع غبار الثورات والهيجان والفوضى العارمة والاضطرابات. وأي الفريقين أحق بالأمن والاستقرار والازدهار والمنجزات؟ ماذا عساهم أن يقولوا وولي عهد «المَلَكية السعودية» القوي المتوثب الأمير محمد بن سلمان يعرض بفخر منجزات بلاده الاقتصادية في مقابلته اللافتة مع «فوكس نيوز»، بالأرقام والإحصاءات من ذاكرته ومن دون النظر إلى الورق؟ أو وهو يشرح عملية الفطام الجزئي عن النفط، والاستثمار في قطاعات مختلفة غير القطاع النفطي؛ منها التعدين والسياحة والخدمات اللوجيستية.
ليت الثورجية وهواة هز استقرار الأوطان باسم التغيير يدركون أن عقد البيعة ببنطه العريض «ألا ننزع يداً من طاعة» و«ألا ننازع الأمر أهله» هو، بعد توفيق الله، صمام الأمان لتوفير بيئة الاستقرار التي يستحيل أن تنبت ازدهاراً ورخاءً دونها، ولقد قدمت السعودية أسلوب التغيير والتطوير بطريقة حضارية تبني على الماضي ولا تنسفه، فلكل زمان دولة ورجال وأفكار ورؤى وتطوير وتغيير، لا تمس الأساسات ولا تقوض البنى التحتية فيخر سقف البيت على من فيه.
لقد كانت الهزة الأولى في الحكم التي أحدثت شرخاً وزلزالاً في جسد الأمة العربية والإسلامية ولا تزال تعاني من ارتداداته، هي ما عرف بالفتنة الكبرى فانفتح باب الفتن على مصراعيه، ثم نبتت في مناخ الفتن أطياف من الملل والنحل وتشظت كل نحلة إلى نحل كالقنبلة العنقودية، وما انفكت الأمة العربية والإسلامية تعاني من ارتدادات ذاك الزلازل العظيم إلى يومنا هذا.
إن فترة الـ93 عاماً من الرخاء والنماء والازدهار السعودي هي التي تفصل بين المؤسس الملك عبد العزيز ذي الطموح العالي، وحفيده الأمير محمد بن سلمان، الذي إذا كان في أمر مروم فلن يقنع بما دون النجوم، ولا عزاء للثورجية الذين يخربون بيوتهم وأوطانهم بأيديهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.