د. ياسر عبد العزيز
TT

متى ندفع مقابل استخدام «إكس»؟

استمع إلى المقالة

لقد تغير اسم منصة «تويتر» إلى «إكس»، وبالغ مالكها الجديد إيلون ماسك في اتخاذ قرارات حادة ومتخبطة، أثارت إحباط واستهجان قطاعات واسعة من المستخدمين. كما تعثرت المنصة إدارياً، وتراجعت إيراداتها وأرباحها، وظهر لها منافس «واعد» جديد؛ لكن الأخبار السيئة تلك كلها لم تنل من أهميتها، ولم تُطح نفوذها أو تقلصه.

ما زلت ألج إلى عالم «إكس» بانتظام، ومثلي مئات الملايين شهرياً، وما زلت أجد فيها بيانات مهمة وتصريحات حصرية وأخباراً فارقة، وحسابات لأهم أقطاب العالم وأكثرهم شهرة وتأثيراً. وما زالت المنصة تسهم في إرساء قائمة أولويات العالم الجادة، وحصتها في ذلك لم تتراجع، وإن تزعزع اليقين فيها، وباتت أقل بريقاً من اليوم الذي انتقلت ملكيتها فيه إلى ماسك، بعدما دفع 44 مليار دولار من أجل ذلك.

منذ استولى ماسك على «تويتر» التي صارت «إكس» بقراره المنفرد -الذي لم تُفهم ذرائعه على نحو واضح إلى الآن- لم يتوقف الملياردير الشهير عن صناعة الصدمات للمستخدمين والمهتمين، وبدا أن عزاءه الأكبر في إنفاق هذا القدر الهائل من المال لامتلاك المنصة لم يسوغه سوى عاملين: أولهما أن يبقى في لائحة الأخبار العالمية اليومية، وأن يتردد اسمه باطراد. وثانيهما أن يحاول أن يجعل من قراراته -المتسارعة غالباً والمتسرعة أحياناً- وسيلة لإعادة هيكلة المنصة، بما يجعلها أكثر قدرة على النمو وتحقيق الأرباح.

وفي الأسبوع الماضي، كنا على موعد مع فكرة جديدة أطلقها ماسك، صاحب الأفكار التي لا تنضب؛ إذ لمح إلى أنه بصدد فرض اشتراك شهري «بسيط» على مستخدمي المنصة، من أجل «مكافحة المستخدمين المُزيفين والروبوتات».

لم يحدد ماسك قيمة الاشتراك الشهري «البسيط» الذي قد يفرضه على استخدام المنصة؛ لكننا يمكن أن نفهم أنه سيكون في حدود أقل من عشرة دولارات أميركية شهرياً؛ إذ سبق أن حدد قيمة 8 دولارات لامتلاك العلامة الزرقاء التي مُنحت سابقاً، في عهد المالك السابق جاك دورسي، مجاناً للشخصيات المعروفة التي أمكن التحقق من صحة امتلاكها لحساباتها.

يعتقد ماسك أن الحل المناسب لمواجهة الحسابات المزيفة و«الروبوتات» التي تُغرق «إكس» وغيرها من منصات «التواصل الاجتماعي»، وتحولها عالماً أكثر هشاشة وقابلية للتلاعب والتضليل، يكمن في فرض رسوم على الاستخدام. وهو يشرح فكرته بالقول إن تكلفة إنشاء حساب مزيف على «إكس» لا تتعدى جزءاً من السنت (واحد في المائة من الدولار)، وبالتالي فإن ذلك يشجع المتلاعبين على المضي قدماً في امتلاكها، لاستخدامها في أنشطة التلاعب والتضليل، بينما سيشكل فرض رسوم على المستخدمين قيداً واضحاً على المتلاعبين الذين سيفكّرون أكثر من مرة في سياستهم تلك، عندما تضحى التكلفة أكبر بشكل واضح.

لقد تلقى مستخدمون تصريحات ماسك الأخيرة بمزيد من القلق والاستهجان، وتوعَّد بعضهم، عبر المنصة ذاتها، بالتفكير في مغادرتهم لها، والذهاب إلى منصات أخرى ما زالت تحافظ على طبيعتها المجانية؛ لكنني لا أشارك هؤلاء هذا القلق، ولا أجد في فكرة فرض رسوم على استخدام وسائل «التواصل الاجتماعي» عموماً مشكلة.

والواقع أن بعض الخلل والاضطراب الكامنين في عالم «التواصل الاجتماعي» وتطبيقات التراسل، يتعلق بأنموذج الأعمال الذي تعتمده هذه الوسائط، وهو الخلل الذي يأتي من فكرة بسيطة، مفادها أن تلك البنى الضخمة المُصممة بعناية، والتي تكمن وراءها شركات عملاقة تربح عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، لا تبيع «الألفة والتسرية» فقط، ولا تستهدف إيجاد «منبر منفتح وحر للنقاش العمومي» فقط، ولا تسعى إلى تحسين التفاهم العالمي فقط، ولكنها تسعى أيضاً إلى الربح، ولا يمكن أيضاً استبعاد أنها تسعى إلى أن تكون مخزن المعلومات العالمي الذي يضم كل ما يريد أحدهم أن يعرفه عن الآخرين.

ولكي ينجح هذا الأنموذج ويؤدي الهدف منه، فعلينا جميعاً أن نتفاعل عبر هذه الوسائط، وأن ندلي ببياناتنا الخاصة لها، وأن تجمعها هي، وتصنفها، وتبيعها لمن يدفع.

يعتقد البعض أن استخدامهم لتطبيقات «التواصل الاجتماعي» المختلفة، مجاني؛ لأنهم لا يدفعون رسوماً لقاء ذلك، والحقيقة أنه لا يوجد شيء مجاني في عالم تلك الوسائط؛ لأن المدفوعات في هذه الحالة ليست نقوداً بالضرورة؛ لكنها محض بيانات. أي أن المستخدم الذي يعتقد أنه لم يدفع شيئاً لقاء الاستخدام، يدفع بالفعل قيمة ما مقابل ذلك؛ والمدفوعات هنا ليست سوى جزء حيوي من خصوصيته. وتحوّل الشركات التكنولوجية العملاقة القائمة على تشغيل تلك المواقع هذه الخصوصية إلى بيانات، ستبيعها لاحقاً للمعلنين، فتُحسن فاعلية برامجهم التسويقية، أو تمنحها لشركات العلاقات العامة و«التأثير والتفكير» لقاء مبالغ كبيرة، لتُمكِّنهم من قيادة الرأي العام والتأثير فيه أو التلاعب به.

سيكون مقترح ماسك بدفع رسوم لاستخدام «إكس» مقبولاً وجيداً، عندما يقترن -فقط- بالحفاظ على خصوصية المُستخدم، بحيث تتعهد المنصة بعدم بيعها إلا بعد الحصول على موافقة صاحبها، ومشاركته في عائدات البيع.