إميل أمين
كاتب مصري
TT

«بريكس بلس»... وركائز النظام العالمي الجديد

استمع إلى المقالة

لعل علامة الاستفهام التي تُطرح في المحافل الدولية كافة طوال 3 أيام، والتي هي المدى الزمني لقمة دول «بريكس»، المنعقدة في منطقة ساندتون في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا متمثلة في السؤال: هل العالم في طريقه إلى تشكّل قوة هيمنة جديدة، في مواجهة النظام القائم الآن؟

اختصر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف الطريق، عبر مقال كتبه قبل أيام في مجلة «أوبونتو» الجنوب أفريقية بقوله: «لا نهدف لاستبدال الآليات متعددة الأطراف، وأن نصبح قوة جماعية مهيمنة جديدة»... ماذا إذن؟

باختصار غير مخل، تبدو دول مجموعة «بريكس»، (روسيا، والصين، وجنوب أفريقيا، والهند، والبرازيل) بمثابة ركيزة في طريق السعي نحو نظام عالمي جديد متعدد المراكز وأكثر عدلاً.

ولعله من غير تهوين أو تهويل يمكن القول إن الدول المؤسسة لـ«بريكس»، تمثل قوة حقيقية على الصعيدين العسكري والاقتصادي، حيث تضم 4 من أقوى جيوش العالم، وتمتلك أفقاً اقتصادياً رحباً في الحال والاستقبال.

ليس سراً القول إن هذا التجمع الكبير لم يكن يهدف، ولا يظن أنه يستهدف المشارعة والمصارعة العسكرية مع أحد، بل جرى التفكير فيه بوصفه نوعاً من «حصون الأمان» التي تقي الأمم والشعوب، تقلبات العم سام وحلفائه الأوروبيين، سيما مع هيمنة الاقتصاد الأميركي على مقدرات العالم، وهو المشهد الذي مضت به المقادير على مدى 3 عقود، أي منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991.

تعمقت المخاوف وازداد الشعور بعدم الأمان بعد الأزمة المالية العالمية، تلك التي تسببت فيها مجموعة البنوك الأميركية، عام 2008، وساعتها اكتشف الجميع حالة عدم الشعور بالأمان من التبعية الاقتصادية المطلقة للنظام الغربي.

هل يعني ذلك أن «بريكس» تجمع اقتصادي عالمي مضاد للولايات المتحدة بالمطلق، أم أنه وسيلة للتعاطي الخلاق معها، وليس شرطاً أن تكون المواجهة أو الحروب الاقتصادية هي الهدف النهائي؟

الجواب يحتاج إلى بعض المقاربات الرقمية التي تيسّر لنا فهم توجهات «بريكس»، ومنها حجم اقتصاد تلك الدول حتى نهاية عام 2022، الذي بلغ نحو 44 تريليون دولار، وتسيطر على 17 في المائة من التجارة العالمية، والعهدة على بيانات منظمة التجارة العالمية.

تسيطر دول «بريكس» الحالية على 27 في المائة من مساحة اليابسة في العالم، بمساحة إجمالية 40 مليون كيلومتر مربع، بينما يبلغ عدد سكان التحالف بصورته الحالية 3.2 مليار نسمة، ما يعادل 42 في المائة من إجمالي سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان مجموعة السبع الكبار 800 مليون نسمة.

من هنا يتفهم القارئ أولويات المجموعة في طريق تعزيز إمكانات «بنك التنمية الجديد»، وصندوق احتياطيات النقد الأجنبي الافتراضي، وفكرة تطوير آليات الدفع الإلكتروني المشتركة، وزيادة دور العملات الوطنية في التعاملات التجارية بين بلدان المجموعة وغيرها.

على أن التساؤل الرئيسي في هذه القمة، موصول بمدى رغبة أطراف دولية وازنة أخرى في الانضمام إليه، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، بالإضافة إلى البحرين والكويت والمغرب وفلسطين من العالم العربي، عطفاً على الأرجنتين من أميركا اللاتينية، بينما يبلغ العدد الإجمالي للدول المتطلعة للانضمام لـ«بريكس» نحو 23 دولة، وهو الرقم الذي أكدته نهار السابع من أغسطس (آب) الحالي، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور.

هذه التغيرات في بنية عضوية «بريكس» تعني إمكانية نمو مساحة التحالف بمقدار 10 ملايين كيلومتر مربع، كما سيزداد عدد السكان بمقدار 322 مليون نسمة... هل يعني ذلك أن هناك عالماً جديداً يتشكل في رحم الأحداث الكونية؟

في تقرير لها الساعات القليلة الماضية، تحدثت وكالة «أسوشييتد برس»، عن المشهد الجديد لـ«بريكس»، حال انضمام المملكة العربية السعودية على سبيل المثال.

تقول الوكالة الإخبارية الدولية إن «أي تحرك نحو إدراج ثاني أكبر منتِج للنفط في العالم في كتلة اقتصادية مع روسيا والصين، من شأنه أن يلفت الانتباه بوضوح إلى تغيرات جيوسياسية عالمية مغايرة، سوف تطرأ على الخريطة الدولية دون أدنى شك».

وتنقل الوكالة عينها عن تلميذ أحمد، سفير الهند السابق لدى السعودية، قوله: «إذا دخلت السعودية بريكس، فستضفي أهمية غير عادية على هذا التجمع».

يدرك المحللون السياسيون الثقات أن الرياض التي باتت حجر زاوية في منطقة الخليج العربي، ستكون ذات ثقل وتأثير كبيرَين في مجالها الجغرافي، وحضورها وتأثيرها الروحي، من حيث إنها قبلة لنحو مليارَي مسلم في قارات الأرض الست.

وبالنظر إلى دولة مركزية مثل مصر، سواء من حيث الموقع الجغرافي المتميز، الذي يشتمل على قناة السويس، شريان المواصلات الأهم، الأرفع والأنفع حتى الساعة، أو بحساب عدد سكانها، وتراتبية قواتها المسلحة حول العالم، وفي الشرق الأوسط، يمكن للمرء أن يتخيل مدى نجاعة هذا التجمع العالمي في المدى الزمني المنظور.

هنا يجمع المحللون على أن «الاتفاق حول مبدأ توسيع بريكس، الذي يتكون بالفعل من جزء كبير من أكبر اقتصادات العالم النامي، يعد انتصاراً أخلاقياً للرؤية الروسية والصينية للكتلة كموازنة لمجموعة السبع».

هل يمثل «بريكس» لحظة وعي أممي على مستوى شعوب العالم ما بعد النامي، ومنها شعوب حققت معدلات نمو متميزة قولاً وفعلاً؟

غالب الظن أن ذلك كذلك، ونظرة سريعة على توجهات نظام «بريتون وودز» في حاضرات أيامنا، تقطع بحتمية هذه الصحوة.

خذ إليك بعض البيانات التي تدعو لمزيد من التفكير في أهمية «بريكس بلس» المقبل، ومنها أنه على الرغم من أن دول «بريكس» تمثل 42 في المائة من سكان العالم، فإن أعضاءها الخمسة لديهم أقل من 15 في المائة من حقوق التصويت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مقابل 17 في المائة للولايات المتحدة و455 لمجموعة السبع.

ولعله من المؤكد في ظل هذه المفارقات، أن يزداد الوعي لدى دول الجنوب بأهمية تعميق تعاونها بشكل يتوافق مع مشاغلها وأولوياتها، مثل مكافحة الفقر والجوع والمرض والأوبئة والركود الاقتصادي، وتأثير التغيرات المناخية ضمن هيكل عالمي أكثر إنصافاً وشفافية وشمولية.

وبعد كل هذا فلا شكَّ أنَّ «بريكس بلس» سيكون ركيزة نحو نظام عالمي جديد.