شنت طائرات يابانية حربية غارات جوية مباغتة على قاعدة بيرل هاربر الأميركية بجزر هاواي، أسفرت عن مقتل أكثر من 2400 جندي، وإغراق وإتلاف 19 سفينة وبارجة حربية، فضلاً عن تدمير 188 طائرة. هذه الواقعة الغادرة التي حدثت في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941 غيرت مجرى التاريخ الحديث، ودفعت الولايات المتحدة الأميركية للدخول في الحرب العالمية الثانية، ثم انتهت بإلقاء القنبلة النووية الشهيرة على اليابان.
كان الهجوم غير مسبوق؛ حيث شمل نحو 353 طائرة حربية يابانية، وغواصات عدة دمرت الأسطول الأميركي، فأعلن الرئيس روزفلت الحرب في خطاب شهير، بعد معاهدة سلام لم يعرها اليابانيون اهتماماً يذكر. رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد حاول أن يسترجع في مذكراته «طبيب في رئاسة الوزراء»، تلك الأحداث، فقال: «أذكر أنني قلت في نفسي إن هجوم اليابانيين على أميركا عمل طائش. ولم أستطع تخيل إمكانية أن تغزو دولة صغيرة مثل اليابان دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة وتحتلها. وفي النهاية، كل ما نجحوا في تحقيقه كان إرغام الولايات المتحدة على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء، وتعلمت من الهجوم الياباني المتهور درساً مصيرياً نفعني كثيراً في السنين اللاحقة عندما دخلت معترك السياسة: إياك أن تضيف إلى معسكر خصومك مزيداً من الأعداء، وإذا توجب عليك مواجهة خصم آخر، فلا تفعل إلا بعد فراغك من خصمك الأول».
من أكبر الأخطاء في التفاوض، والخلافات، والمعارك، والنقاشات الحادة، أن يفتح المرء على نفسه جبهات عدة. البعض يدخل في مواجهة بين طرفين ظناً منه أنها شجاعة، فينقض على شخصين في غرفة الاجتماعات، ليجد نفسه أمام تحالف ثنائي ضده. وكلما كانت اللغة خشنة، أو حاد النقاش عن جادة الأسلوب المهني، زادت فرصة تضافر الخصوم ومؤيديهم ضدنا. التطرف بالشجاعة تهور، والتأني به حكمة.
في المفاوضات، وحتى الهجوم العسكري المباغت، هناك خيارات، منها تأجيل المواجهة. وهذا ما يدفع بعض الدول إلى القول: «نحتفظ بحقنا في الرد»، وهي محاولة مؤقتة لتحييد الخصوم. وكذلك الحال في الضربة القاضية أو لحظة الانتقام التي يمكن تأجيلها بعد التموضع في مكان أقوى. وفي الأدبيات العسكرية كذلك لا يبدأ الهجوم إلا بعد تغطية جوية أو أرضية أو بحرية... فليس من الشجاعة المواجهة بصدر عار.
من صور تحييد الخصوم في النقاشات، التأييد الجزئي لأحدهم، أو التركيز على نقاط الالتقاء بيننا. في المواجهات التجارية يتم تحييد الخصوم عبر بناء تحالف أكبر معهم للتصدي لآخرين في ميادين التنافس. ويمكن تحييد الخصوم بالتلويح بالمصالح المشتركة المنتظرة.
عندما تدب الخلافات بين البلدان والأفراد، يتعمد الطرفان ألا يقحما طرفاً ثالثاً في نزاعهم. هي «محاولة تحييد» لترك الباب موارباً لدخوله وسيطاً ينزع فتيل الأزمة. هناك بلدان تنص دساتيرها على حياديتها. سويسرا خير مثال لدولة نجت من الحرب العالمية الطاحنة، وهي ليست خصماً لأحد، فهي قلب النظام المصرفي الآمن، ومهد الصناعات الفاخرة والشوكولاتة.
وفي نقاشاتنا اليومية يمكن أن نحيد خصومنا أو نتقي شرهم إذا تجنبنا ما تسمى «مغالطة رجل القش»؛ لأنها محاولة مقصودة لتسطيح رأي الخصم أو تحريفه؛ حيث تُنسب لغريمنا حجج هشة، ثم يبدأ أحدنا بالرد على تلك «الحجج المختلقة». وسُميت «رجل القش» إشارة إلى الدمية المملوءة بالقش التي تُنصب في المزارع لخداع الطيور. تجنب هذا النوع من المغالطات قد يحيد الخصوم.
تحييد الخصوم تكتيك اجتماعي، ومهني، وسياسي، قد يسهم في تقليل حدة المواجهات.