د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

هل تراجع الدعم الأوروبي لـ«وفاق» ليبيا؟

بعد تسريبات صحيفة «الغارديان» لمشروع غوركا لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول، بات واضحاً أن الإدارة الأميركية لها موقف مختلف عما كان عليه موقف الاتحاد الأوروبي من دعم مطلق، ورهان على حكومة السراج المسماة حكومة «الوفاق» التي تفتقر إلى أبسط مبادئ التوافق السياسي بين الفرقاء، وكما ذكر فريدريك ويري الباحث في مؤسّسة كارنيغي: «وضع المسألة الليبية في عهدة أوروبا ليس خطوة صائبة؛ ففي غياب الدعم من الولايات المتحدة، سوف يفتقر الدور الأوروبي إلى المصداقية».
فشل حكومة «الوفاق» التي هي مخرج اتفاق الصخيرات في السيطرة أو حتى بسط النفوذ ولو بمقدار قيد أنملة في العاصمة طرابلس، وتحالفها مع ميليشيات تحاول أن تضفي عليها الشرعية التي لا يملكها أي منهما، في محاولة بائسة منها لكسب نفوذ في العاصمة، جعلها تقع فريسة سهلة لابتزاز هذه الميليشيات، وتصبح طرفا في الصراع الميليشياوي في طرابلس.
وبعد مضي عام كامل على دخول حكومة «الوفاق» العاصمة طرابلس على ظهر فرقاطة إيطالية، بات واضحاً الدور الإيطالي وخاصة المخابرات الإيطالية، والتي اتهمت بزرع أجهزة تنصت في مكاتب حكومة «الوفاق»، كما كشفت بعض التقارير، فالتعاطي الإيطالي مع الأزمة الليبية تقلب من حالة الاعتدال إلى حالة الشيزوفرينيا السياسية، مما جعله في أغلب حالاته جزءا من الأزمة لا الحل، موقف تحكمت فيه عوامل كثيرة لا يمكن تفكيكها بعيداً عن المصالح النفطية في «المستعمرة الإيطالية القديمة»، وعقدة على الشاطئ الرابع لروما.
وبعد أن أصبح واضحاً للأوروبيين خاصة انهيار اتفاق الصخيرات بسبب الخروقات الجسيمة التي مارستها حكومة «الوفاق»، وعلى رأسها ممارسة السلطة التنفيذية عبر وزراء لم يمنحوا الثقة البرلمانية، وعبر مجلس رئاسي لا يزال غير دستوري، لعدم تضمين الاتفاق للإعلان الدستوري، كما نص اتفاق الصخيرات، وتشكل مجلس دولة من لون واحد من الفرقاء، وإقصاء الآخرين، مما جعل العملية السياسية في حالة انسداد وبدأ التراجع الأوروبي عن تقديم الدعم لحكومة «الوفاق» حتى على مستوى اتفاقية الهجرة غير الشرعية، ورفض أوروبا تزويد حكومة السراج بالمعدات والزوارق والمروحيات، خشية وقوعها في أيدي جماعات إرهابية متطرفة، تشكل نسيجاً مهماً من الميليشيات التي لم تستطع حكومة «الوفاق» التخلص منها، أو بالأحرى عدم جديتها في إنهاء هذه الميليشيات المنفلتة التي أرعبت الناس فهي التي تحكم على أرض الواقع، وخاصة في العاصمة.
فشل اتفاق الصخيرات لأنه استند في الأساس إلى أطراف غير أطراف النزاع الفعليين، وتشكلت طاولة الحوار ممن جمعهم المندوب السابق برناردينو ليون جلهم من جماعات الإسلام السياسي، مما تسبب في حالة انسداد عند التطبيق، لأنه لم يكن اتفاقاً توافقياً بين فرقاء بالمفهوم السياسي، بل كان اتفاق طرف مع نفسه في تجاهل تام للأطراف الأخرى، بل تجاهل صريح لإرادة الشعب الليبي، مما تسبب بفشله في تحقيق نجاح مستدام، وبقيت الحالة الليبية تراوح مكانها مجمدة بسبب سوء إدارة بعثة الأمم المتحدة للحوار، واختيار لجنة الحوار حيث اختير بين أطرافها قيادي في جماعة الإخوان على أنه «مستقل» مما شكل نوعاً من العبث، كما كانت البعثة الأممية تتنقل بين الأطراف بين مسودات اتفاقيات وبعثرة أوراقها، ولم تعتمد الوثيقة الرابعة التي تم التوقيع عليها من أغلب الأطراف بالأحرف الأولى.
الآن بات واضحاً تراجع الدور الأوروبي عن دعم حكومة لا تمثل جميع الليبيين، وليس لها يد طولى على العاصمة، حكومة أخفقت منذ وصولها إلى طرابلس في مارس (آذار) 2016 في بسط سلطتها، فأصبح التمسك بتسمية «الوفاق» نوعاً من العبث وترحيل الأزمات والاستمرار في حالة الانسداد السياسي، وتعطل الحياة العامة.
كان بالإمكان توحيد الفرقاء الليبيين الذين حاربوا «داعش» في شرق البلاد وغربها، حيث يشترك جميعهم في الخطر الأكبر وهو الحرب على الإرهاب، ولكن فشل الجهود وتعثر وتراجع، بل وحتى انحياز البعثة الأممية ممثلة في رئيسها الحالي مارتن كوبلر لطرف، وسّع من هوة الخلاف، والذي كان يتعدى دوره كمبعوث إلى مفوض سامٍ في الشأن الليبي.