عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

ما هي سياسة ترمب في الأزمة السورية؟

انقشع غبار الغارة الأميركية على سوريا، لكن بقيت الأسئلة حول استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترمب إزاء الأزمة السورية، وما إذا كانت هذه الغارة تعني انقلاباً في موقفه وتحولاً في سياساته بشأن الأزمة. فعلى الرغم من الضجة الواسعة التي أثارتها الغارة، فإن الغموض ظل طاغياً، خصوصاً مع التصريحات المتضاربة الصادرة من الإدارة الأميركية بشأن سياستها وما إذا كانت خطوتها ستقود إلى تدخل مباشر في الأزمة يتجاوز استراتيجيتها السابقة التي حصرت دورها فقط في محاربة «داعش».
هذا الغموض في التصريحات يؤكد أن قرار شن الغارة الصاروخية اتخذ لمواجهة حالة خاصة ومحددة وليس في إطار استراتيجية واسعة بشأن الأزمة السورية وكيفية حلها. فكل الكلام الصادر عن البيت الأبيض وعن كبار مسؤولي الإدارة يضع الغارة في إطار الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية، وتوجيه رسالة تحذير إلى النظام السوري بأن الإدارة الجديدة في واشنطن مستعدة للرد إذا تكرر استهداف المدنيين بهذه الأسلحة. وحتى عندما خرج المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر عن هذا النص وقال في مؤتمره الصحافي اليومي إن أميركا سترد إذا استخدم نظام الأسد «الأسلحة الكيماوية أو البراميل المتفجرة في قتل المدنيين»، فإنه سرعان ما عاد ليصحح ويوضح قائلاً إنه كان يقصد البراميل المتفجرة التي تحوي أسلحة كيماوية. وبهذا «التوضيح» حصر البيت الأبيض الموضوع مجدداً في استخدام الأسلحة الكيماوية مستبعداً شن غارات للرد على استخدام النظام السوري للبراميل التي تحوي متفجرات تقليدية، بمعنى أن أميركا لا تريد توسيع نطاق تدخلها.
ترمب ذاته حرص على تقديم نفي قاطع عندما سئل في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، عما إذا كانت الولايات المتحدة تتجه الآن لتدخل مباشر في سوريا. فقد رد قائلا: «هل تعني الضربة أننا سنتدخل؟ كلا». ثم أردف مؤكداً: «لا نتجه للدخول في سوريا».
حتى فيما يتعلق بتصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون عن أن عهد أسرة الأسد يقترب من نهايته، لم تقدم الإدارة الأميركية أي توضيحات حول ما ستفعله لتحقيق هذا الهدف، خصوصاً أنها كانت حتى أيام قليلة مضت تعتبر أن تغيير النظام السوري ليس في أجندتها. كل ما قدمه تيلرسون هو كلام مبهم عن تعاون دولي وعملية سياسية، داعياً روسيا إلى التخلي عن الأسد.
عدم وجود رؤية أو استراتيجية أميركية واضحة، فتح المجال أمام الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت هناك دوافع أخرى للغارة الصاروخية التي أمر بها ترمب، بعيدة تماماً عن الاهتمام الحقيقي بمعاناة السوريين، والتفكير في حل للأزمة التي دخلت عامها السابع. فالإدارة تواجه ضغوطاً كبيرة في الداخل وتحاصرها الأسئلة عن علاقاتها مع روسيا فلاديمير بوتين خصوصاً إبان فترة الانتخابات الرئاسية. وتصاعدت هذه الضغوط بشدة في الآونة الأخيرة مع الإعلان عن تحقيق في الكونغرس وآخر في مكتب المباحث الفيدرالي (إف بي آي) بشأن التواصل والاتصالات بين مقربين من ترمب وبين روسيا إبان حملات الانتخابات، لا سيما في أشهرها الحاسمة.
فإذا كان هدف الغارة الأميركية هو إلهاء الناس وصرف الأنظار عن مشاكل إدارة ترمب الداخلية، فإنها بلا شك كانت ناجحة. فبعدما كانت وسائل الإعلام الأميركية تحاصر إدارة ترمب بالأسئلة المستمرة عن علاقاتها واتصالاته مع روسيا، انتقل التركيز بالكامل إلى الموضوع السوري بعد الغارة الصاروخية في ريف إدلب.
بعض التصريحات من مقربين من الرئيس، من بينهم ابنه إيريك ترمب، صبت مزيداً من الزيت على نار التكهنات والتأويلات، بعدما سارعوا إلى القول إن الغارة ترد على الذين يتهمون الرئيس بأنه واقع تحت تأثير روسيا وأن حملته الانتخابية تواطأت وتعاونت مع الروس. كذلك سعى البعض إلى تصوير الغارة على أنها تظهر ترمب بمظهر الرئيس القوي مقارنة مع سلفه باراك أوباما الذي تخاذل عن الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا على الرغم من أنه اعتبرها خطا أحمر.
إذا صحت التأويلات فإن ترمب لن يكون بالتأكيد أول رئيس يستخدم استراتيجية الغارات والحروب الخارجية للهروب من أزمات داخلية، ومثال الرئيس الأسبق بيل كلينتون وشنه غارات على العراق في عملية «ثعلب الصحراء» عام 1998 إبان فضيحة مونيكا لوينسكي ليس بعيداً عن الأذهان. المشكلة بالنسبة للإدارة الحالية إذا كان هدفها هو صرف الأنظار عن ضغوط ملف علاقاتها مع روسيا، أنها ما تزال في بداية عهدها، وتأثير الغارة سيكون قصيراً، سيعود الإعلام بعده إلى التركيز على القضية التي يمكن أن تحدد أشياء كثيرة بما فيها مصير ترمب.
أما بالنسبة للأزمة السورية فإن النتيجة قد تكون المزيد من التعقيدات، وربما التصعيد، اللهم إلا إذا وجدت إدارة ترمب نفسها مضطرة الآن لإعادة النظر بشكل جدي في موقفها بحيث تقرر الانخراط بالتعاون مع روسيا في جهود دفع الحل عبر الحوار والمفاوضات.