د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

سكاكين «داعش» تضرب لندن

سكاكين «داعش» 2017 التي ضربت عاصمة الضباب لندن جاءت لتؤكد إصرار صانع وممول الإرهاب على اختيار التوقيت والمكان وانتقاء الضحايا، رغم استخدام سكاكين المطبخ فإن التأثير كان موجعاً، بل وقاتلاً في جميع المرات التي استخدمت فيها، ليؤكد أنه لا يعبأ بالتضييق عليه في الحصول على السلاح.
ما حدث عمل إرهابي بالمطلق، ولا يقره الشرع الإسلامي الذي يمنع التحريض على القتل، بل ويعتبر صاحبه شريكاً في الجريمة ولو كان بالتلفظ بشطر كلمة (اقتل)، فقال تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).
حادث جسر ويستمنيستر، رغم أن الفاعل لم يستخدم سوى سكاكين المطبخ وسيارة لدهس المارة دون انتقاء، فإنه استطاع حبس برلمان بكامل أعضائه لساعات في قاعة الاجتماع، وجعلهم يتراسلون مع ذويهم عبر صور ينشرونها عبر «تويتر» تؤكد سلامتهم، بينما حبس زوار عين لندن لساعات في حجرات زجاجية معلقين بين السماء والأرض. صحيح أن الشرطة والأجهزة الأمنية كانت تعمل في الأثناء لتأمين العاصمة ومحيط الحاضنة السياسية، إلا أن الأمر ظهر وكأنه «عجز» ومفاجأة لتلك الأجهزة التي لم تستطع سوى أخذ السيدة تيريزا ماي إلى مكان تقول إنه «آمن».
ما حدث لا يمكن قراءته بعيداً أو بمعزل عن السياسات البريطانية من حكومات متعاقبة في التعاطي مع جماعات الإسلام السياسي، وحالات التقارب و«الاحتواء»، وحتى التحالف مع بعضها وإعادة تدويرها في بلدان أخرى، مثل ليبيا ومصر، واحتضان القيادات الفارة والهاربة منها، بل وحتى الدعم المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، والذي كشفت عنه وثائق بريطانية تم السماح بتداولها، أن لندن بدأت تمويل جماعة الإخوان المسلمين سراً في عام 1942، بالتعاون مع الملك فاروق. ولعل ما نشره مارك كيرتس، الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية عن تفاصيل التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وبين بريطانيا، حتى عام 1957 secret affairs: Britain’s Collusion with Radical Islam، لدرجة وصفه العاصمة لندن بـLondonistan، في إشارة رمزية إلى تحول بريطانيا إلى الوطن البديل لجماعة الإخوان، وبعد أن أصبحت لندن «قبلة» للفارين من جماعات الإسلام السياسي، الأمر الذي يطرح كثيراً من التساؤلات عن الحجم الحقيقي لهذا التعاون، ومدى محاولة هذه الجماعة اختراق المؤسسات، ومحاولة التأثير على قرارها، خاصة في الشأن الدولي، بدءا من تمرير معلومات مضللة إلى تسريب معلومات حساسة تتسبب في التأثير على مسارات التفاوض وآلية اتخاذ القرارات.
المؤكد أن أغلب التنظيمات الإرهابية كان أعضاؤها أعضاء بارزين في جماعة الإخوان، والتي باعتراف حسن البنا نفسه تغولت وخرجت عن سيطرته، بعد أن أصبح لها جناح سري وذراع عسكرية، في ظل وجود قيادات مغيبة وبروز جيل جديد مندفع لا يحسن التدبير، كما هو حال عموم الجماعة. فتنظيم القاعدة كان زعيمه عضواً في الجماعة، وكذلك زعيم جماعة التكفير والهجرة شكري مصطفى، المتزوج من شقيقة الإخواني محمد صبحي، والذي تشبع بأفكار سيد قطب.
جماعة الإخوان رغم «التبرئة» التي قامت بها حكومة بريطانيا بشأنها من الإرهاب، عبر لجنة السير جون جينكينز، اللجنة التي تجاهلت وأهملت وجود دلائل كثيرة وروابط وشهادات تثبت العلاقة بالإرهاب، إلا أن التعاطي السياسي البريطاني مع جماعات الإسلام السياسي لحد التقارب معها، قد يكون سببه أجندات سياسية وتقاطع مصالح كانت تربط بريطانيا بأميركا «أوباما كلينتون»، ومشروع إعادة خريطة الشرق الأوسط، وتمكين جماعة الإخوان من حكمها تحت عباءة الإسلام «الوسطي» والذي نجحت في تمرير مفهومه الجيوسياسي جماعات الضغط الإخواني، التي حاولت التسلل للمطبخ السياسي الأميركي والبريطاني، ووجود رغبة وتوجه سياسي شديد خاصة، كان واضحاً عند إدارة «أوباما كلينتون» لاستخدام الإسلام السياسي في المرحلة القادمة.
رغم التقارب البريطاني مع جماعات الإسلام السياسي، فإنه لم يجعل بريطانيا في مأمن من ضربات هذه الجماعات، بل كانت ولا تزال هدفاً لهذه الجماعات، التي لا تزال الحكومات البريطانية تحتضنها.