غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري
TT

الحل السوري ينتظر القضاء على «داعش»

المتاهة السياسية والعسكرية في سوريا الشمالية أشبه بالسوق المالية في ذروة أزمة تعصف بها. واضح أن «داعش» هو الخاسر الأكبر، نتيجة لتألب كل اللاعبين في «البورصة» ضده. بسبب أسلوبه المنفِّر. والمتزمت جداً في تطبيق الشريعة. وفي تعامله الانتحاري واللاإنساني مع المؤمنين و«الكفار».
الغريب إلى حد الطرافة أن «داعش» ما زال قادراً على اجتذاب التمويل! من أين جاءه المدد هذه المرة؟ آه! من سماسرة «البورصة» اللبنانية الموازية (غير الرسمية). فقد استغلوا انهماك الجيش اللبناني بقصف «الدواعش» و«جبهة النصرة» الهاربين من «البورصة» السورية إلى جرود عرسال، فحولوا ما يقرب من عشرين مليون دولار، «لإنعاش داعش» في سوريا!
ماذا ينفع المال مع طلوع الروح؟ لم يبق في رصيد «داعش» في العراق سوى 2500 انتحاري في الموصل. ونحو عشرين ألفاً من أصل 85 ألف «داعشي» كانوا موزعين على الرقة. ودير الزور. والبادية السورية، وصولا إلى الحدود الأردنية. وهذه البقية الباقية غير مؤهلة لمواجهة وطأة حرب عالمية حقيقية تشنها أكثر من مائة دولة كبيرة وصغيرة على هذه «الدويلة» الانتحارية. أي أكثر من الدول التي حاربت ألمانيا. واليابان. وإيطاليا، في الحرب العالمية الثانية.
إذا لم يخترع علماء «داعش» القنبلة النووية. والصواريخ الباليستية. والأسلحة الكيماوية، فلن تبقى «دويلة» أبو بكر البغدادي المزعومة على قيد الحياة بعد عام 2017. وها هو نفسه قد غادر «بورصة» الموصل، ليختفي عند الأقارب في تكريت. وعند الأهل في البادية السورية.
يتعين على الذين كسبوا في «بورصة» الموصل. ويكسبون في «بورصة» الرقة، أن يأخذوا حذرهم. فالأرجح أن يشن تنظيم «داعش» حرباً انتقامية انتحارية على جميع «بورصات» العالم. المواجهة بدأت بالفأس في محطة قطارات بألمانيا. ومقهى في سويسرا. ومستشفى في كابل. وبحزامين ناسفين في عرس عراقي في تكريت. و44 قتيلاً في حي الميدان بدمشق...
ماذا في جعبة الفكر السياسي عن انتحار «دويلة الخلافة الداعشية»؟ لماذا تولى الغرب شن الحرب على «بورصة» العنف الديني، عبر سماسرة «البورصات» المحلية والإقليمية، من أكراد. وأتراك. وسوريين. وإيرانيين. وعراقيين. وأفغانيين؟ لماذا لم يتحمل الغرب مع آلته العسكرية المتفوقة العبء، بزج جيوشه مباشرة؟ هل لأن الشعوب الغربية باتت من الوعي، بحيث ترفض أن تساق كقطعان الماشية، إلى حروب عالمية بعيدة عن أوطانها. ومصالحها؟ أم أن الغرب ينتابه الخجل من العرب، إذا ما جدد حروبه في ديارهم؟
ثم لماذا أخفقت قوى الإسلام التقليدي في التغلب على موجة التزمت والعنف الديني؟ هل لأن التعليم الديني السني والشيعي عاجز عن اجتذاب وإلهام الجيل الذي جنده «داعش» و«القاعدة»؟ أم لأن الإسلام التقليدي غير قادر على إقناع حليفه النظام الإسلامي، باعتناق الليبرالية؟
أعود إلى متاهة «البورصة» السورية. فأقول إن السماسرة الكبار ساقوا المضاربين الصغار إلى الحرب ضد «داعش». وربما غداً ضد «جبهة النصرة» في إدلب، بحيث تأجل حل المأساة السورية؟ رهان أميركا ترمب وأوباما على أكراد سوريا وتركيا، في اقتحام «بورصة» الرقة ودير الزور، يطرح سؤالاً عن مصير هذه الأراضي العربية. وعما إذا كان الهدف تقسيم سوريا. وتفتيت الكتلة السنية العربية في العراق وسوريا. وتمزيقها أشلاء؟
لماذا يجري نفخ البالون الكردي، ليتضخم. ويتمدد جنوباً نحو محافظتي الرقة ودير الزور (الخاليتين من الأكراد)، بعدما امتد شرقاً من نهر الفرات، ليلامس حدود كردستان العراقية، ملتهماً في طريقه القرى العربية المجاورة للحدود التركية؟ هل انتزعت أميركا وعداً وعهداً من الميليشيات الكردية بالانسحاب؟ وعما إذا كانت مستعدة للانسحاب؟ أم أنها تعتبر البقاء فيهما هو ثمن للاجتياح؟ وللدماء الكردية التي أريقت؟ أم تعتبر بقاءها بمثابة «حماية» للعدد القليل من الأعراب الذين قاتلوا معها، من احتمال انتقام العشائر العربية منهم؟
منبج الآن «بورصة» عالمية لمساهمين ومضاربين أميركان. وأتراك. وروس. وسوريين نظاميين. ومعارضين. وميليشيات إيرانية تضم مرتزقة من شيعة لبنان. والعراق. وأفغانستان. لقاء قادة أركان جيوش روسيا. وأميركا. وتركيا في مدينة أنطاليا في إقليم هاتاي (الإسكندرون) توصل إلى تنسيق لمواصلة الحرب على «داعش».
لكن ماذا عن لعبة الأمم في «بورصة» منبج التي هي مفتاح «بورصة» الرقة ودير الزور؟ القوات الأميركية تتدفق يومياً على سورية مع مدفعيتها ودباباتها. ترمب يقول إن القوات الأميركية تقوم بدور «شرطي النجدة» للفصل بين المتناحرين في هذا الازدحام الهائل. لكنه لم يستطع منع الجيش التركي من تأديب قوات بشار والميليشيات الإيرانية المواكبة لها في غرب منبج. ويبدو أن الميليشيات الكردية باتت مستعدة للانسحاب من منبج وغرب الفرات. وتسليم المنطقة التي احتلتها إلى السوريين. والإيرانيين، نكاية بالأتراك.
لم يترك نتنياهو جنّياً وإنسياً، إلا وأبلغه زاعماً أن العرب ينسقون معه، لإقناع بوتين وترمب بسحب إيران من سوريا، قبل أن تشن عليه حربا من الجولان وجنوب لبنان. نتنياهو التسعينات غير نتنياهو القرن الحادي والعشرين. نتنياهو آخر الزمان يواصل الاستيطان. ويمنع الأذان. ويرفض الدولتين. ويطالب بدولة واحدة له ولمحمود عباس معه. ويشترط أن يعترف عباس بها دولة يهودية. بعد ذلك كله، يصر على أن العرب ينسقون معه ضد إيران!
عباس يقول لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد قيام الدولتين. واحدة له. والأخرى لنتنياهو. وهو ذاهب إلى ترمب ليحذره من نقل السفارة إلى القدس. ويذكره بحل الدولتين. أين العرب لحل الإشكال بين نتنياهو وعباس؟ هناك قمة عربية ستعقد في منتجع أردني على «البحر الميت». اللهم اجعلها خيراً على الأحياء. ومغفرة للأموات.