حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الدرس الكوري!

ما يحصل الآن في كوريا الجنوبية هو زلزال سياسي واقتصادي بمعنى الكلمة، بعد أن أُجبرت الرئيسة «المنتخبة» على الرحيل من منصبها. وبعد أن صوت البرلمان على ذلك، وحكمت المحكمة الدستورية مؤيدة، أصبحت الآن رئيسة كوريا الجنوبية رئيسة سابقة، وبلا حصانة تحميها من الاتهامات والمحاكمة المنتظرة لها بتهم الفساد وتمصلح بعض الأصدقاء حولها.
وليت الموضوع وقف عن هذا الحد، ولكنه طال أكبر شركات كوريا الجنوبية «سامسونغ»، فقد تم القبض على جاي لي قائد الشركة الفعلي، بعد إصابة والده بجلطة حادة أعاقت من قدراته. وعائلة «لي» المالكة لشركة «سامسونغ» تعد أثرى عائلة في قارة آسيا قاطبة.
الكوريون يعتقدون أن هذا الزلزال طال انتظاره وآن أوانه، وأن الفساد استشرى وأصبح «توأماً» مع المنظومة السياسية. وكوريا الجنوبية المتأثرة والمقلدة لليابان حتى النخاع، نظراً للعداوة القديمة والرغبة في الانتقام من الذين احتلوها ذات يوم، اهتمت بتأسيس ماكينة اقتصادية جبارة بنيت وأسست على نفس الأسس التي قامت في اليابان.
واليابان لديها نظام الشركات الكبرى، وهو المعروف باسم «السوجاشوشا»، وكوريا الجنوبية لديها نفس النظام باسم «الكايبول». واهتمت كوريا بتقليد نفس المنتجات، فتحولت «هيونداي» إلى نموذج مقلد لـ«تويوتا»، و«سامسونغ» إلى نموذج لـ«سوني»، و«إل جي» إلى نموذج لـ«باناسونيك»، ولكن هناك شيئاً ما كان ينقص التجربة الكورية، وهو «النضج»، وخصوصاً في «المحاسبة» و«المساءلة» و«الحوكمة»، وهو ما مرت به اليابان، وعانت مرارة «منحنى التعلم» فيه «وآلام النمو» منه، وخصوصاً ما حصل خلال فضيحة شركة لوكهيد للطيران، التي اتضح أنها أعطت رشاوى هائلة لرئيس الوزراء الياباني وقتها تاناكا، الذي اضطر للاستقالة بشكل مهين وحزين. وبدأت اليابان بعدها في سلسلة عنيفة من إطلاق السياسات والتشريعات لمحاربة الفساد بجميع أشكاله، سواء كان ذلك عن طريق الفساد السياسي أو الاقتصادي «المعروف»، أو الذي تديره وتتحكم فيه عصابات المافيا اليابانية والمعروفة باسم «الياكوزا»، وهي مجموعات قديمة تعمل في المجالات المحظورة، وذات تأثير فعال.
الضغط الشعبي «الرافض» لأي علاقة مشبوهة تؤثر على موضوعية واستقلالية وعدالة القرارات الصادرة من الرئاسة في كوريا، كان السبب الأول لنهاية حكم الرئيسة بارك بهذا الشكل الدرامي، وهو حتماً مؤشر رئيسي إلى انتقال كوريا تحديداً، وآسيا عموماً، إلى مرحلة جديدة من شفافية القرار الحكومي ونهاية قانونية لتضارب المصالح ومحاسبة ومكاشفة حقيقية. وهو ترجمة فعلية لنهاية زمن الكلام فقط، وبداية زمن الكلام المرتبط بالتنفيذ.
المشهد الكوري الأخير سيلقي بظلاله على الدول المحيطة بها في آسيا، فاليوم الأخبار تنتقل بشكل هائل وسريع، ولم يعد من الممكن «عزل» الخبر جغرافياً كما كان يحدث سابقاً، وإن ما يحدث في كوريا لا شأن له في غيرها.
كوريا الجنوبية تنضج سياسياً كما سبق لها أن نضجت اقتصادياً. نجاحاتها السابقة والمهمة في مجالات الصناعة والسياحة والغذاء والتقنية والترفيه والأفلام والغناء والمسلسلات، كان ناقصاً دوماً، طالما كانت هناك شبهة الفساد السياسي. الآن واجهوها ونجحوا.