حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

التفكك العربي في الصراع مع الخمينية

على الرغم من مرور أكثر من خمسمائة عام على السقوط المدوي لغرناطة على يد الملكين الإسبانيين فرديناند وإيزابيلا واستسلام الملك عبد الله الصغير، والبدء في عملية التهجير والتقتيل على يد محاكم التفتيش، والناس تتساءل: أين الممالك العربية شمال أفريقيا من نصرة أهليهم في الأندلس؟ وأين الخلافة العثمانية التي كانت وقت سقوط الأندلس في أوج عزها وعنفوانها لدرجة نشر سيطرتها في شرق أوروبا وكل البلقان؟ وأين هي من إرسال المدد والتعزيزات لإنقاذ الأندلسيين من جرائم التفتيشيين؟ ولماذا لم تتحرك نخوة العرب تجاه عرب الأندلس الذين مورست معهم أبشع أنواع التنكيل والتقتيل والتهجير؟ وما لبث هذا السؤال أن اصطدم بصخرة سقوط حلب، ليتكرر المشهد بنسخة عصرية مذلة.
وسقطت حلب وتجول الجنرال الصفوي في أزقة المدينة المكلومة كما تجول الملك فرديناند في أزقة غرناطة المهزومة، وستمضي العقود والقرون وستلاحق معاصري زماننا ذات السؤال الذي نطرحه الآن على معاصري سقوط غرناطة؟ كيف سقطت حلب وهي تعوم في بحر لجي من العالم السني؟ بل السؤال هذه المرة أدهى وأمر، إذ إن الأندلس بلاد فتحها العرب وتحيط بها دول نصرانية إحاطة السوار بالمعصم، والأندلس في قارة أوروبا وتفصلها عن بلاد العرب فاصل جغرافي بحري واضح، وأما حلب فتعيش في محيط سني متلاطم، واستطاع الخمينيون منازلة العرب قاطبة في عقر دارهم في أربع دول (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، وأن تحتل عواصمها بالوكالة عن طريق خلاياها التي زرعتها ساعة اندلعت فيها الثورة الخمينية في طهران، في عمل متقن قابله تخبط عربي وتيه لا تزال العرب تعاني منه ولم تفق منه، على الرغم من توالي الضربات وتكرار النكبات.
سيحفظ التاريخ، وللتاريخ ذاكرة لا تنسى، أن أقلامًا عربية سنية ابتهجت بسقوط حلب ابتهاج المنتصر في معارك الوطن الكبرى، وسيشهد التاريخ أن صحيفة من كبريات الصحف العربية جعلت خبر سقوط المدينة وتهجير سكانها منزويًا في صفحاتها الداخلية ومتقدمًا عليه في الصفحة الأولى خبر اقتصادي غير مهم، ستقول الحقائق التاريخية إن إعلاميًا في فضائية ذات جماهيرية واسعة من دولة عربية محورية «سنية» قد طار بكاميراته وفريق برنامجه ليعزز الجيش «الطائفي» المنتصر على شعبه بالقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة، واصفًا الرئيس بوتين الذي استخدمت بلاده أشد الأسلحة فتكًا بالشعب السوري بالزعيم المناصر للحق والحريات.
وكما حفظ لنا التاريخ تسابق زعماء الطوائف في الأندلس للحصول على تحالفات مع ملوك أرغون وليون وقشتالة ضد ممالك عربية منافسة، سيشهد التاريخ ويخلد شهاداته أن قيادات عربية وحزبية وإعلامية عربًا تسابقوا في التواصل مع زعامات خمينية تصافحهم بيد وتطعن شعوب اليمن وسوريا ولبنان والعراق بيد أخرى.
وسيحفظ لنا التاريخ، وشهادته لا تُطمس، أن العرب لم يستطيعوا أن يحيدوا خلافاتهم من أجل صد تغلغل الخمينية الفكري والعسكري والعقائدي في الدول العربية، تمامًا كفشل زعماء الطوائف حين سقطت غرناطة في تأجيل خلافاتهم والتصدي للعدو المشترك، وقد تواصل بعض زعماء العرب في الأندلس مع المنتصر بغية عقد تحالفات تنقذ ما بقي من سلطته ونفوذه ومتعته وملذاته وجواريه، ولكن المنتصر لا يفرق بين الشرفاء وبين الذين خانوا أوطانهم ومقدراتهم، فيد الجبروت والوحشية باطشة عمياء لا تفرق بينهم، بل تحتقر الخونة والذين ناصروا الغازي بالسنان أو بالبنان، وهذا ما ستفعله الخمينية لو تمددت وتمكنت، فهل من مدكر؟