عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

مستقبل المنطقة وعون في السعودية

مستقبل منطقة الشرق الأوسط وصراعاته بات اليوم أكثر تعقيدًا بفعل تناقض السياسات الدولية واختلال توازنها وعكس اتجاهاتها في السنوات الماضية، وخصوصًا من القوة الأكبر في العالم، ممثلة في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك بفعل عدم اتضاح السياسات الدولية التي ستتجه نحوها بوصلة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
هذا صحيح، ولكنه لا يعفي دول المنطقة من افتراع حلولها ورؤاها، والتعامل الأمثل مع كل السيناريوهات المطروحة، والمشاركة لا في استشراف المستقبل فحسب، بل في صناعته وتوجيهه، فالمستقبل في نهاية المطاف هو نتاج عوامل متعددة يمكن التأثير في مقدماتها بشكلٍ أو بآخر.
مع مطلع 2017 وبعد تولي الرئيس ترامب لمسؤولياته في البيت الأبيض في العشرين من هذا الشهر، يمكن توصيف منطقة الشرق الأوسط بأنها منطقة الصراعات «الأسخن» حول العالم، فعربيًا، هناك عاصمتان عربيتان تقعان تحت الاحتلال المباشر من قبل إيران، وهما بغداد ودمشق، وهناك بيروت المعتقل قرارها السيادي من قبل ميليشيات «حزب الله»، وكذلك صنعاء المعتقلة من قبل عملاء إيران من ميليشيا الحوثي إلى المخلوع صالح.
المتغير الأهم في صراعات المنطقة سيكون الوعي الجديد للإدارة الأميركية المخالف تمامًا للإدارة السابقة، فالرئيس ترامب وفريقه يمتلكان وعيًا حادًا تجاه ما يمثله نظام ولاية الفقيه الإيراني من خطرٍ على المنطقة والعالم، فهم بحسب تصريحات ترامب نفسه وتصريحات مرشحيه للمناصب القيادية خلال حديثهم في الكونغرس يعون جيدًا وبالتفاصيل أحيانًا هذا الخطر الإيراني المنتهك للقوانين الدولية الذي يتدخل بالميليشيات والمؤامرات والخلايا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما أنه نظامٌ يعتمد على التخطيط والدعم والتنفيذ للأعمال الإرهابية حول العالم، وهو وثيق الصلة بالجماعات الراديكالية والتنظيمات الإرهابية سنيًا وشيعيًا، ومن هنا يأتي الحراك الجديد في أميركا تجاه تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمةٍ إرهابيةٍ، وهو ما يمكن جره لكل التنظيمات التابعة له من ميليشيا الحشد الشعبي بكل تصنيفاتها إلى ميليشيا الحوثي وغيرهما.
المتغير الآخر الذي لا يقل أهمية هو الاتجاه لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعةٍ إرهابيةٍ، وهو توجه بدوره يمثل نقيضًا لتوجه الإدارة السابقة لباراك أوباما، تلك التي كانت ترى في الجماعة حلاً يلغي الأنظمة السابقة ويلغي التنظيمات الإرهابية، ومن هنا لم تقصر هذه الجماعة بشتى فروعها من تقديم الولاء لأوباما، بل والارتماء في حضن إسرائيل إبان حكم الجماعة لمصر، وحديث مرسي مع «صديقه العظيم».
شهد الأسبوع الماضي زيارةً للرئيس اللبناني الجديد ميشال عون، هي الأولى له بعد توليه منصبه، للمملكة العربية السعودية، وقد شهدت الزيارة تغطيةً واهتمامًا إعلاميًا بحكم ما تمثله من تغييراتٍ محتملةٍ في المشهد السياسي اللبناني الداخلي، وما تمنحه من إمكانية وجود تغييراتٍ مؤثرةٍ لصالح استعادة لبنان لعروبته المسلوبة وقراره المختطف.
لبنان بلدٌ صغيرٌ في المعادلات السياسية في المنطقة، وبالتالي فتأثيره ليس كبيرًا حتى لو حدث فيه تغيير حقيقي يلامس حاجات الشعب اللبناني بالإصلاح والاستقرار والازدهار، وغاية ما هنالك هو القدرة على تحجيم دور «حزب الله»، وهو أمرٌ جيدٌ من دون شكٍ، ولكن لبنان وحده عاجزٌ عن تحقيق ذلك، وقد صدق الرئيس عون حين قال: «الصراعات أكبر من لبنان».
استقبال الرياض لعون أتى ضمن دورها الإقليمي المعهود في دعم استقرار الدول العربية، وهو دورٌ تم تأكيده مرارًا وتكرارًا عبر مسيرة السياسة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز وأبنائه من بعده، وقد تم ترسيخه مع السياسة القوية للسعودية في ملفات المنطقة والدفاع عن مصالحها كدولةٍ، ومصالح شعبها ومصالح الدول العربية وشعوبها، وذلك في عهد الملك سلمان.
ويأتي كذلك ضمن السياسة المعلنة للسعودية برفض «استقرار الفوضى» في أي من الدول العربية ورفض أي تدخلاتٍ خارجيةٍ في شؤونها من قبل إيران وغيرها، وهي الفوضى التي لم تجنِ منها الدول العربية وشعوبها إلا الحنظل والفشل والتراجع في سلم الحضارة.
يبقى العالم متجددًا بطبيعته، يتجه حينًا نحو التطور، ويتجه حينًا نحو التراجع، فمسارات التاريخ ليست دائمًا تتجه للأمام، ومسارات السياسة لا تتجه باستمرارٍ نحو التطور، وإنما هي القدرة الدائمة على القراءة والوعي والتطوير والتقدم.
مؤتمر آستانة حقيقةً لا يعني شيئًا سوى إعلان انتصار روسيا وإيران والنظام السوري في ملف الأزمة السورية، وإبعاد كل من يخالفهم من الدول عن أي تأثير في مستقبل سوريا، وذلك بغض النظر كليًا عن أي مطالب مشروعةٍ للشعب السوري نفسه، وقد بدأت تركيا تميل إليهم بحسب قدراتها وطموحاتها وعلاقاتها الخارجية التي من الواضح أن تركيا قد أجرت كثيرًا من التعديلات عليها، وهي تتجه لمزيدٍ من التغييرات.
لم تنجح إدارة أوباما كثيرًا في تخريب المشهد السياسي الدولي على الرئيس الجديد على الرغم من المحاولات المستمرة، وهي تركت الملف السوري جانبًا منذ بدء الأزمة في سوريا، وأصرت بإلحاحٍ غريبٍ على ترك الشعب السوري يلقى مصيره المحتوم بكل أدوات القتل القديمة والحديثة، التي تفنن فيها نظام الأسد ونظام الولي الفقيه الإيراني وروسيا.
يظهر الرئيس ترامب احترامًا للرئيس الروسي بوتين، ولكن ما لم يتخلَ بوتين عن بعض سياساته التوسعية وما لم يقلل من صلابته في بعض الملفات السياسية الدولية كالوضع في أوكرانيا، فإن المواجهة بين الطرفين ستكون شبه حتميةٍ، فحتى تكون أميركا عظيمةً مجددًا، كما هو شعار حملة الرئيس ترامب، يجب على روسيا أن تحني رأسها للعاصفة.
على الرغم من استعجال بوتين لإنهاء الأزمة السورية بأسرع وقتٍ، فإن الأمور أكثر تعقيدًا مما يظن، فالملف السوري سيبقى مستعصيًا على الحلول بسبب الاضطرابات الكبرى التي تحيط به، وهي ليست مقتصرةً على تلك التي تسببها الصراعات السياسية دوليًا وإقليميًا فحسب، بل كذلك تلك التي تنتمي إلى الصراعات الطائفية والراديكالية والهوياتية عميقة الجذور في التاريخ وقوية الحضور في العقول والقلوب.
لم تتضح بشكلٍ تفصيلي رؤية الرئيس ترامب للسياسة الخارجية، وخصوصًا تجاه الملف السوري والملف العراقي، والمؤشر الأهم في ذلك هو الموقف الواضح تجاه سياسات إيران العدائية وأدوارها التخريبية، وهو مؤشر كافٍ إلى تغييراتٍ مهمةٍ تطال هذين الملفين وغيرهما.
أخيرًا، فإن أي سعي للتأثير في الملفات الكبرى في المنطقة يستوجب رسم سيناريوهاتٍ متعددةٍ للمستقبل والتعامل مع المستجدات انطلاقًا منها.
[email protected]