سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

الموصل... حتى لا تكون إيران «الرابح الأكبر»

بعد 12 أسبوعًا على انطلاق معركة الموصل لطرد تنظيم داعش منها، لا يزال الحشد الكبير للقوات العراقية وبدعم من التحالف الدولي، ومن خلفهم العالم أجمع، بانتظار أخبار سارة في المعركة الفاصلة ضد التنظيم الإرهابي. لا شك في أن القوات العراقية ستسيطر على المدينة وتدحر «داعش»، فهي مسألة وقت لا أكثر، ولكن المقلق في هذه المواجهة هو أن تكون إيران «الرابح الأكبر» من هذه المعركة، وهو الوصف الذي استخدمه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مضيفًا أن إيران ستستولي على الموصل ولن تكسب الولايات المتحدة شيئًا، وهو سيناريو مرعب في تخيله، لكنه وارد طالما لا توجد أي خطط واضحة من قبل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة.
عندما أطاحت الولايات المتحدة بنظام طالبان عام 2001 كانت إيران هي المستفيد الأول، وكذلك عندما تمت الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، تلقت طهران هذه الهدية على طبق من ذهب، فلم تتخيل إيران مثل هذا التحول بالمنطقة لصالحها بتخلصها من أهم عدوين إقليميين لها، واليوم أيضًا ستكون إيران الرابح الأول من تدمير «داعش» وطرده من الموصل، وهو الخطأ الذي لا يجب أن تكرره واشنطن ثم لا يمكنها تصحيحه، كما فعلت في تسليمها العراق، فكلما تراجعت واشنطن في علاقتها مع بغداد تقدمت طهران، والعكس صحيح، ولا شك أن الحكومة العراقية أيضًا تتعامل مع التدخل الإيراني بحسب القرب والبعد من واشنطن.
التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب عندما تكون استراتيجيته عسكريًا دعم معركة الموصل وطرد «داعش» منها، يكون قد قدم نصف الحل، أما نصف الحل الآخر هو أن يكون له دور فعلي بعد هذه المعركة وعدم ترك الساحة فارغة لتملأها إيران وميليشياتها المتمددة هناك، وبدون خطوات حاسمة لإعادة صياغة التصرفات الإيرانية في العراق بعد معركة الموصل ودعم قدرات الحكومة العراقية على التخلص من أعباء الهيمنة الإيرانية، فإن كل الجهود الدولية لطرد «داعش» ستصب في النهاية لمصلحة إيران وتعزيز تدخلها في العراق من جهة ووجودها في سوريا من جهة أخرى.
إذا كان العالم متفقًا على معركة الموصل وأهمية طرد «داعش» من ثاني أكبر مدن العراق، والتي تمثل خاصرة لثلاث دول (تركيا، وسوريا، وإيران)، فإن الغموض يكتنف مرحلة ما بعد «داعش»، حينما ينجلي غبار المعارك وتذهب رائحة الآبار المحروقة، فإيران تشحذ سكاكينها للاستفادة من استثمارها في المعركة، حتى لو سمت عسكرييها المشاركين بأنهم «مستشارون»، وحتى لو افترضنا جدلا عدم وجود قوات إيرانية على الأرض تحت أي مسمى، فلا يخفى على أحد أن ميليشيات الحشد الشعبي دورها رئيسي في المعركة، وولاؤها معلن بشكل واضح لطهران، وليس سرًا أن الإيرانيين يعلمون أن من يقاتل اليوم في الموصل سيحجز مقعده على كعكة الصفقات السياسية غدًا، فإذا ترك مستقبل الموصل غامضًا، وهو ما يبدو الآن، فإن هذا يعني تلاقي المصالح الأميركية والإيرانية والحكومة العراقية في بقاء سنة العراق فئة مهمشة وأقلية سياسية، وبالتالي أقلية اجتماعية، وهو المنطلق للخطر الأكبر في العبث بالتركيبة السكانية والديموغرافية للعراق، وبالتالي مواجهة خطر داهم ليس على العراق فحسب، بل على المنطقة ككل، أما إيران فهي تريد انتصارًا تمارس من خلاله شحنًا طائفيًا يدفع الشيعة إلى مخاصمة مجتمعاتهم، وبالتالي تثبت الوضع السياسي بما يتفق مع استراتيجيتها.
معركة تحرير الموصل حاسمة ليست ضد تنظيم داعش وما تمثله من معركة جوهرية ضد إرهاب نادر واستثنائي، احتل مدنًا عراقية بأكملها في لغز حير العالم، المعركة ستكون حاسمة ومصيرية أمام جميع القوى السياسية العراقية وكذلك التحالف الدولي، باعتبارها تمثل الاختبار الأخير لإمكانية العيش المشترك في العراق. كل الخوف أن يتخلص المجتمع الدولي من «داعش»، لكنه يترك بذرته صالحة لخروج تنظيمات لا تقل تطرفًا عنه.