د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

نرفض تكريس الطائفية

في الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج العربية ومعها دول الاعتدال العربي - الأردن والمغرب - إلى تهدئة الأمور وتوحيد طوائف المجتمع والبحث عن حلول عملية لفرض الأمن والاستقرار في كل من العراق وسوريا واليمن.. نرى بعض السياسيين والأحزاب الطائفية في هذه البلدان يسعون إلى تمزيق أوطانهم وتشتيت شعوبهم وقتل الأبرياء من الأطفال في بلدانهم من أجل بقائهم في السلطة أطول مدة ممكنة، والدليل على ذلك دعوة نائب الرئيس العراقي رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي إلى تشكيل قائمة انتخابية كبيرة من الفصائل الشيعية المتطرفة، والتحالف مع الميليشيات المقربة من طهران تمهيدًا للانتخابات المقررة في العراق بعد 14 شهرًا. المالكي الذي يدعم بقوة الحشد الشعبي الذي يضم الميليشيات الشيعية في تنظيم واحد، حيث اعتبره الضمانة لاستمرار العملية السياسية.
ثم جاء مقتل النائب عبد العظيم العجمان من البصرة في هجوم مسلح قرب مدينة الناصرية... فقد وصف رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري الفقيد بأنه من النواب الذين يدعون للتسامح وبث روح الاعتدال والوسطية النابعة من فكره السياسي الناضج وحرصه على نبذ الخلافات وتبني الحوار الهادئ المثمر من أجل الاستقرار والسلام.
أيضًا ما يحدث في مدينة حلب من قتل وتشريد وإبادة جماعية من قبل القوات الروسية جوًا والقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من أحزاب طائفية شيعية، أمر غير مقبول ويدل دلالة قاطعة على أن أعداء العرب من أحزاب وقوى إقليمية مثل إيران لديهم مخطط شيطاني لتمزيق العراق وسوريا، وتغيير التركيبة السكانية واجتثاث ما تبقى من السنة العرب في العراق وسوريا من أجل تحقيق حلم إيران على المنطقة وشعوبها.
لقد تحولت الطائفية إلى فتنة كامنة، وما يقوم به قادة كل من سوريا والعراق هو استبدال الطائفية القديمة بطائفية جديدة. وما قامت به ميليشيات النظام السوري (الشبيحة) التي كانت تقتل وتمثل بضحاياها من الطائفة السنية، وما تقوم به الميليشيات السنية من «داعش» و«النصرة» وغيرهما من قتل وتشريد الشيعة هو أمر مرفوض مهما كانت تبريراته.. ما تقوم به الميليشيات هو تبرير لاستمرار السلطة الاستبدادية وإبقاء نظام الطوارئ وتعليق الدستور والقانون.
السؤال هنا... ما المطلوب من دول الخليج ودول الاعتدال العربي من سياسات لوقف الحروب الطائفية، خصوصًا أن هنالك دولاً وأحزابًا عربية طائفية تسير في ركب السياسة الطائفية التي تغذيها إيران؟
على دول الخليج أن تعي الدروس من حالة عدم الاستقرار في العالم العربي التي قادت إلى فشل بعض الأنظمة العسكرية الاستبدادية في ترسيخ مفهوم دولة الأمة، بمعنى دولة المواطنة وتعميق شروط ممارسة السلطة والمشاركة السياسية وما تتطلبه من تأمين الحرية والمسؤولية الفردية وحكم القانون والمساواة.
مطلوب من قادة دول الخليج اتخاذ سياسات قوية وحاسمة ضد كل من يروّج للطائفية البغيضة سواء بين السنة أو الشيعة... فقد برزت في الفترة الأخيرة بعد مجازر ومذابح حلب دعوات للانتقام أو التدخل العسكري لإنقاذ أهل الشام جميعًا، خصوصًا من بعض المشايخ على المنابر في المساجد أو حملات وطنية تدعو لجمع التبرعات لإنقاذ أهل حلب. كل دول العالم تتعاطف مع الأبرياء في حلب، لكن الحل لن يأتي بإثارة النزعة الطائفية والفزعة لأهل السنة.
أذكر جيدًا الحملة التي شنتها جماعات الإسلام السياسي من إخوان مسلمين وغيرها في السبعينات من أجل إنقاذ إخوتنا في الإسلام في أفغانستان... وكيف تحمس بعض الشباب لـ«الجهاد» في أفغانستان ومنهم بن لادن، ونعرف كلنا ماذا حصل بعد توقف «الجهاد» في أفغانستان... حيث عاد «الجهاديون» الخليجيون وغيرهم لبلدانهم... يحاولون تغيير أنظمة الحكم المستقرة في بلدانهم.
على الأغلبية السنية في بلداننا تبني روح وطنية جامعة تحت لواء الدفاع عن الوطن من خلال تعزيز الروح «الوطنية» وروح المواطنة في ظل دولة القانون المدنية.