سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

نصيبه يعتزُّ به

عندما أصدر فؤاد مطر مجلة أسبوعية في لندن (1984 – 1991) اختار لها اسم «التضامن»، برغم عدم جاذبيته سماعيًا. وإلا كيف يستطيع، بغير هذا العنوان، أن يحافظ على صداقاته مع صدام حسين، وجعفر نميري، والصادق المهدي، والشيخ سعد العبد الله، والشيخ عبد العزيز التويجري، ومحمد حسنين هيكل، وغسان تويني، ومحمود رياض، والشاذلي القليبي، وياسر عرفات، وجورج حبش، وما تضمنته خمسة عقود صحافية من أسماء وألق.
هذا موسم المذكرات، و«هذا نصيبي من الدنيا، سيرة حياة ومسيرة قلم»، (الدار العربية للعلوم)، جوهرة أخرى في موسم الغوص، بحثًا عن لآلئ الماضي المهني. عندما أفكر في زملاء جيلي يبرز فؤاد مطر الأول في الاجتهاد والجديّة. عرف طريقه منذ اللحظة الأولى بينما اخترنا أن نبقى هائمين فترة طويلة. أضاف فؤاد إلى «النهار» في عز لمعانها، المراسلة من الأفق العربي، مقيمًا في القاهرة، مقيمًا في الخرطوم، مقيمًا في ليبيا، زائرًا أماكن مثل جنوب السودان لم تكن على خريطة «بورجوازية» «النهار» آنذاك.
وأمضى هذا العمر في الصحافة وفي سياسات العرب وخلافاتهم ونزاعاتهم، لا تصدر منه كلمة نابية، كتابة أو شفاهًا أو همسًا، أو، والله العليم، خاطرة. ألف عددًا من أنجح الكتب المرجعية عن مصر ولبنان والعراق والسعودية والسودان. وأدار مجلة «التضامن» بكل نجاح، مدربًا جيلاً جديدًا من الصحافيين الشبان، من كل البلدان العربية. وأقام في بداياته صداقات حقيقية مع عمالقة الأدب من توفيق الحكيم إلى نجيب محفوظ إلى لويس عوض، الذين خصّوه جميعًا بمؤلفات ينشرها في «دار القضايا»، التي أسسها في بيروت قبل هجرته إلى باريس ثم لندن.
وأجمل ما في «هذا نصيبي من الدنيا» برّ فؤاد بوالديه وغمره لأولاده. وقد رافقته عن قرب ابنا بارًا وأبًا متكرسًا. ويعطي فؤاد حيزًا مهمًا في المذكرات لأم أبنائه، اليافاوية امتثال أبو لسان. وقد نافسته في محبتها للبنان، ونافسها في حبه لفلسطين. ومعًا عملا من أجل فلسطين حرة وعروبة جامعة ونبيلة.
أعدت مع «هذا نصيبي من الدنيا» قراءة مرحلة عشناها جميعًا، خصوصًا أهل الصحافة. وكلما خيل إليك أنك تعرف فؤاد مطر، تكتشف أنك لا تعرف. لأن المجتهدين الكبار أمثاله لا يضيعون لحظة واحدة خارج الوقت. ووقت الصحافي عمره وحياته. ويتجاهل فؤاد مطر بتواضعه وصمته الملازمين، أن نصيبه مؤلفات جميلة وعمل بالغ الاحترام.