د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الاهتمام الطبي بالأسباب الرئيسية للوفيات

على الرغم من إفادة التقارير الطبية الحديثة بالولايات المتحدة بانخفاض الإصابات بأمراض القلب، فإنها لا تزال السبب الرئيسي للوفيات في الولايات المتحدة وفي بقية دول العالم. والمتابعة السنوية لأي تغيرات في قائمة «الأسباب الخمسة الرئيسية للوفيات» في كل عام هي في حقيقة الأمر إحدى وسائل توجيه الجهود الطبية العملية نحو العمل باستراتيجية صحيحة ومفيدة بغية نجاح جهود مكافحة الأمراض التي تصيب الناس واتقاء ظهورها لدى الأصحاء أو استفحال انتشارها. ويتم التوصل سنويًا إلى قائمة «الأسباب الخمسة الرئيسية للوفيات»، من خلال أنظمة تحليل مكونات تقارير المتابعات الطبية للبيانات التي يتم توثيقها من مختلف مرافق تقديم الرعاية الطبية.
ووفق التقرير الصادر في السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) عن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها (Centers for Disease Control and Prevention)، بالهيئة الفيدرالية المعنية بمتابعة نتائج الجهود الطبية التي تقدمها المرافق الطبية بالولايات المتحدة، فإن أمراض القلب لا تزال هي الأعلى في التسبب بالوفاة، وإن الكثير يُمكن فعله لمكافحتها والوقاية منها، وإن الإحصائيات الحديثة تفيد بحصول انخفاض ملموس في معدلات الإصابة بها خلال العقود الأربعة الماضية.
وأفاد تقرير المراكز بأن الأمراض السرطانية تلي أمراض القلب في تلك القائمة، التي تليها سكتة الجلطة الدماغية، ثم الأمراض المزمنة في الجهاز التنفسي السفلي، كالربو والتهابات الشعب الهوائية وانتفاخ الرئة، ثم إصابات الحوادث. وأضاف التقرير أن ثُلثي الوفيات بين الناس الذين تقل أعمارهم عن ثمانين عامًا، يكون بسبب أحد هذه الأمراض أو الحالات الخمسة، وهو ما يعني أن تركيز توجيه الجهود الطبية نحو الوقاية ونحو المعالجة لها هو أفضل بداية استراتيجية لخفض معدلات الوفيات بالعموم.
وإزاء هذه الأخبار غير السارة، هناك أخبار أخرى تصبح سارة لو أمكن الاستفادة منها في توجيه الجهود الطبية، ذلك أن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، أكدت في تقريرها الحديث أن غالبية الوفيات بسبب هذه الأمراض والحالات الخمسة، يُمكن منع حصولها. وتحديدًا، أفادت المراكز بأن 30 في المائة من الوفيات بسبب أمراض القلب يُمكن منع حصولها، وكذا الحال مع 15 في المائة من الوفيات بسبب السرطان، ومع 28 في المائة من الوفيات بسبب سكتة الجلطة الدماغية، ومع 36 في المائة من الوفيات بسبب الأمراض المزمنة في الجهاز التنفسي السفلي، ومع 43 في المائة من الوفيات الناجمة عن إصابات الحوادث. كما أكدت المراكز أن نتائج الإحصائيات والدراسات الطبية تفيدنا بأنه فيما بين عامي 2010 و2014 حصل انخفاض في معدلات الإصابة بثلاثة من هذه الأسباب الرئيسية الخمسة للوفيات، التي هي فعليًا تُمكن الوقاية منها وخفض الإصابات بها وخفض تفاقم مضاعفاتها وتداعياتها.
وبشيء من التفصيل، ذكرت المراكز في تقريرها أن الانخفاضات تلك شملت انخفاضًا بمقدار 25 في المائة في عدد الوفيات بسبب الأمراض السرطانية، أي ربع عدد الوفيات، وهو ما أمكن الوصول إليه عبر انخفاض الوفيات المُعدلّة بحسب العمر بسبب أمراض سرطان الرئة بنسبة 12 في المائة، وأيضًا الانخفاض بنسبة 11 في المائة في الوفيات بسبب سكتة الجلطة الدماغية، والانخفاض بنسبة 4 في المائة في الوفيات بسبب أمراض القلب.
والواقع أن هذا الانخفاض في الوفيات بسبب أمراض القلب هو أمر مهم، حتى لو كان بنسبة لم تصل إلى 5 في المائة، لأنه انخفاض قد يمثل مقدمة نتائج ما تمت ملاحظته في دراسة الباحثين من مؤسسة ديوك للأبحاث الإكلينيكية حول معدلات الإصابة بأمراض القلب في الولايات المتحدة، التي تم نشرها ضمن عدد 15 نوفمبر لمجلة جاما الطبية (Journal of the American Medical Association)، والتي أفاد فيها الباحثون بحصول انخفاض بمقدار 20 في المائة لمعدلات الإصابة بأمراض القلب في الولايات المتحدة خلال العقود الأربعة الماضية. وعلق الباحثون حول نتائجها بالقول: «هذا يعني أن كل الجهود تُؤتي ثمارها، ولكن لا تزال هناك عوامل خطورة تسهم بقوة في انتشار أمراض القلب، مثل ارتفاع الكولسترول السيئ والتدخين وارتفاع ضغط الدم، ولا يزال كثير مما يُمكن فعله لخفض الإصابات بأمراض القلب».
ولكن إزاء هذه الانخفاضات، هناك ارتفاعات في معدلات الوفيات لأسباب أخرى خلال نفس الفترة الزمنية، تلك الوفيات بسبب الأمراض المزمنة في الجهاز التنفسي السفلي ارتفعت بنسبة 1 في المائة، والأهم هو أن الوفيات التي يمكن تجنب حصولها نتيجة لإصابات الحوادث غير المتعمدة ارتفعت بنسبة 23 في المائة، وهذا إلى حد كبير نتيجة للتسمم بالمخدرات ونتيجة لتداعيات حوادث التعثر والسقوط حال الوقوف أو المشي. ولذا علّق الدكتور توم فريدين، مدير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، بالقول: «ومن المؤسف أن الوفيات الناجمة عن تلقي جرعة زائدة من المخدرات في تزايد مستمر بسبب تفشي وباء تعاطي المواد الأفيونية». وأضاف: «لا تزال هناك اختلافات كبيرة وواضحة بين مختلف الولايات في معدلات الإصابة بأسباب الوفيات التي يمكن منعها، وهو ما يعني أن كثيرًا من الأرواح يمكن إنقاذها من خلال استخدام وسائل الوقاية والعلاج المتاحة اليوم».
ويُعتبر توفر هذه الإحصائيات الطبية الدقيقة خطوة على الطريق الصحيح في توجيه الجهود الطبية، بنوعيها العلاجية والوقائية، نحو تحقيق الاستفادة المثلى من الوسائل المتوفرة للمعالجة والوقاية من أجل الحصول على أعلى قدر ممكن من الفائدة للمرضى والأصحاء والحصول أيضًا على أعلى قدر ممكن من الاستثمار الطبي للموارد البشرية والمادية المتوفرة في مرافق تقديم الرعاية الطبية. وأفادت المراكز في تقريرها بأن توفر «بيانات الوفيات الممكن تجنب حصولها» (Preventable Death Data) يُساعد في وضع أهداف الوقاية وتحديد الأولويات وصياغة الاستراتيجية للجهود الصحية. وأشارت المراكز إلى أن بإمكان مُقدمي الرعاية من العاملين المباشرين في المرافق الطبية والصحية المساعدة في تجنب حصول الوفيات المُبكرة عبر تزويد مُراجعيهم من المرضى بالمشورة في كيفية الإقلاع عن التدخين وحماية أنفسهم من عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب وسكتة الجلطة الدماغية وكيفية العمل على تفادي الإصابات العرضية للحوادث ومضاعفاتها.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]