د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

فزاعة الثيوقراطية

فزاعة الثيوقراطية Theocracy، أي حكومة الكهنة أو رجال الدين، التي لعب بها الأميركيون كفزاعة زرعوا من خلالها فوبيا تعزز رفضهم الإصلاح الديمقراطي، فالتجربة المريرة عند الغرب من سيطرة رجال الكنيسة والكهنوت على الدولة في العصور المظلمة، أو ما يعرف بالقرون الوسطى في أوروبا، جعلتهم في حالة رعب من مفهوم الدولة الدينية، بعد أن انعكست عليها أخطاء رجال الكنيسة وأحبارها.
الثيوقراطية هي نظام حكم يزعم الحاكم من خلاله أنه يستمد سلطته مباشرة من الإله، فتجربة الغرب مع الحكم الثيوقراطي، كانت في عهد الراهب الدومينيكاني جيرولامو سافونارولا، الذي حرق الكتب غير المسيحية، وهدم التماثيل، ومنع كتب الأشعار، فتجربة الحكم الثيوقراطي، عرفها الحكم الكنسي وعانى منها المجتمع الغربي، ولهذا يُتخوف من أي محاولة ثيوقراطية في منطقة الشرق الأوسط، خوفًا على إسرائيل رغم أنها دولة أقيمت على أساس ديني ثيوقراطي، وإن كانت تدعي الديمقراطية، وبسبب التخوف الغربي استغل بعض حكام العرب فزاعة الحكم الثيوقراطي في حالة الفراغ السياسي وكون الغرب جاهلاً بالتاريخ الإسلامي، وقع تحت تأثير فزاعة الثيوقراطية.
لكن لو فكر الغرب لعرف أن الإسلام، لم تقم فيه دولة ثيوقراطية، حتى في عهد الإسلام الأول، وعلى العكس قامت فيه دولة مدنية في عهد معاوية، التي تحولت إلى حكم فردي ابتعدت فيه عن الشورى، أي عن مفهوم المشاركة في الحكم كما نادى بها الإسلام بمبدأ الشورى، وهذا ما أكده الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال في خطبته الأولى: «أيها الناس قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أصبت فأطيعوني، وإن عصيت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم...».
الدارس للإسلام والمتفهم للمعاني الحقيقية فيه، يؤكد أن الثيوقراطية أو ما يسمى بحكومة رجال الدين، ليست من الإسلام ولا علاقة له بها، بل إن كلمة «رجال الدين» وافدة وبدعة، وليست من القاموس الإسلامي، فأساس الحكم في الإسلام هو (وأمرهم شورى بينهم) والإسلام نادى بحرية الدين (لا إكراه في الدين).
الشأن المحلي وحاجات الناس بين بعضهم بعضًا وعلاقتهم بالآخرين شورى بينهم، وهذا ما فهمه ربعي بن عامر حين قال لرستم قائد جيش كسرى: «إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة»، أما النموذج الإيراني، فلا علاقة له بالحكم الإسلامي، فهو أسلوب حكم مخالف، فالإسلام لم يأمر يومًا بقدسية ولا بولاية الفقيه، بحيث تكون إدارة الشؤون الدنيوية للناس من واجبات الفقيه وتكون القيادة للولي كخليفة للنبي، وبذلك يكتسب أمره ونهيه قدسية خاصة، لأنه ظِل الله في الأرض.
الدارس لتاريخ الفقه وفقهاء الإسلام الأربعة، مالك والشافعي وابن حنبل وأبي حنيفة، يلاحظ أنهم كانوا يرفضون حتى منصب القضاء ولم ينخرطوا في أي منظومة حكم.
فالخلاف الذي حدث في السقيفة كان خلافًا سياسيًا، لا دينيًا، وإلا لما جاز لهم المخالفة والاختلاف فيه.