طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ثورات بين قوسين

تعبير صار يتم تداوله كثيرا بين المثقفين، ناعتًا الثورة، وجدت أكثر من سينمائي عربي التقيت بهم في مهرجان «قرطاج» بدورته التي أسدلت ستائرها قبل يومين وهو يتعمد عندما يصف الثورة يضيف بين قوسين «الربيع»، ليُطل عليك بمجرد وضع القوسين قدرًا من الاستهجان أو في الحد الأدنى الوقوف على الحياد بالطبع، غير الإيجابي!
لا أحد يقول إن ثورات الربيع حققت أحلام الشعوب ولكنها كانت حتمية ثم أجهضت مع اختلاف درجة سقف أحلامها وعمق إجهاضها، اكتشفنا مع الزمن أن هناك فريقًا متربصًا استغلها لصالحه، هذه قضية أخرى.
كانت وستظل السينما تحمل توثيقا مرئيا، لا أتحدث فقط عن الفيلم التسجيلي الذي لا يلتقط سوى الحدث الواقعي بلا رتوش، ولكن أيضًا الفيلم الروائي القائم أساسًا على أعمال الخيال، ثورات الربيع العربي تجدها في تلك الأفلام مهما اختلف الموقع، في تونس شاهدت مثلا «غدوة حي» والتي تعني «غدًا إن شاء الله»، و«تالة مونامور» أو بالعربية «تالة حبيبتي» وأيضًا فيلم الافتتاح بخمسينية قرطاج «اليوبيل الذهبي» وعنوانه «زهرة حلب»، الذي شاركت في بطولته وإنتاجه هند صبري، حيث حرص الفيلم على فضح ممارسات «داعش» و«الناصرة» الدموية في حلب، ولكنه لم يحدد موقفه من الثورة السورية، ومن العراق الفيلم الناطق بالكردية «مملكة النمل»، فضح «داعش»، مصر مثلا في فيلميها الروائيين «اشتباك» و«حرام الجسد» ستلمح الثورة، الفيلم الأول في مقدمة «الكادر» وفي الثاني خلف الأحداث، بينما وفي سوريا أفلام مثل «منازل بلا أبواب» و«مراعي الأبقار» وقفت على الحياد.
هناك أفلام تؤيد مباشرة النظام في سوريا لم تعرض في قرطاج، ولكني شاهدتها في مهرجان الإسكندرية، مثل «أنا وأنت وأبي وأمي»، أو «في انتظار الخريف» أفلام تهتف لنظام الأسد، من إنتاج مؤسسة السينما التي يملكها النظام وتُقدم كمنشور لخدمة السلطة.
ثورات الربيع لا أتصورها ستغادر المشهد السينمائي في السنوات القليلة القادمة، لن يستطيع أحد أن يطوي هذه الصفحة من مختلف الدول العربية رغم تباين ردود الأفعال.
هل الفنان يملك حريته وبالتالي اختيار موقفه السياسي، وهل مطلوب من الفنان أن يخرج في مظاهرة أو يعلن رأيه في حوار تلفزيوني أم صحافي؟ لا نعيش في عالم مثالي، ولكن عددًا من المثقفين وخصوصا بين السينمائيين قرر أن يقف على الحافة بين التأييد والرفض للثورات العربية، وهكذا شاهدنا شاشة داخل قوسين، ووجدنا أكثر من فيلم سينمائي يحرص على أن تظل الثورات تعيش في هذا القيد. ونسينا أن السؤال الأهم عند توثيق الثورة ليس فقط النتائج ولكن الدوافع.
في مصر مثلا نجد من لديه زاوية رؤيته «الدولارية» فهو يطل على الأمر بمنظار سعر الدولار الأميركي مقاربة بالجنيه المصري.
لا تقاس الأمور على هذا النحو الرقمي، الذي يغض الطرف عن كل المؤثرات الأخرى. على المثقف أن ينظر بحياد إلى ثورات الربيع، التي انطلقت نبيلة وفتية ثم اكتشفنا أن هناك من يريد أن يغتالها، فلم يجدوا سوى أن يخنقوا ربيعها داخل «قوسين».