سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

انتخابات الكويت

الدعوة إلى انتخابات عامة في الكويت، في مثل هذه الظروف، أشبه بالدعوة إلى استفتاء في أمر المؤسسة وأدائها الوطني. وبالتالي، فهي تعبير عن ثقة الدولة بنفسها وسياساتها في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ البلد والخليج معًا.
الكويت ركن من أركان المنطقة، وحجر من أحجار الزاوية في البناء العربي. ومع أن دورها الأساسي انحسر بعد الغزو العراقي، فإنها لم تفقد شيئًا من حجمها العربي. وثمة فارق، للأسف، بين مدى جدية المؤسسة الأم، والخفة المسيئة أحيانًا التي ظهرت في الممارسات البرلمانية. فقد انتقلت المعارضة داخل المجلس من مستوى الأداء القومي إلى مغامرات الخفة المحلية والقبلية. وفي الماضي كان المعارضون جزءًا أساسيًا من بناء المؤسسة، كمثل الراحل عبد العزيز الصقر. لكن تدهور المستويات العشوائية، أدى إلى الخوف من زعزعة في صمود هيكل الدولة العام.
تغير العالم في الكويت، كما تغيرت الكويت في العالم. ثمة أجيال ظهرت بعد الاستقلال. وثمة تيارات دخلت إلى البلد من خلال الحريات المبدئية التي عَمِلت بها الدولة. وربما أخطأت الحكومات مثلها في أي مكان آخر. إلا أن الجلي كان دائمًا فارق العقل والإخلاص بين المؤسسة والمغامرين. شكّل الأمير في الكويت دائمًا مظلة الحَكَم وسارية الحُكم، وبعيدًا عن تكرار الألفاظ، فقد كان الأمير دائمًا هو المرجع عندما يختل الأداء العام ما بين السلطة التنفيذية والسلطة البرلمانية. وقبل أن يتولى الشيخ صباح الإمارة، خَبر دبلوماسيات العالم وسياسات العرب أكثر من نصف قرن. غير أن أخطارًا جديدة ومتغيرات كثيرة تعبث الآن بأحوال المنطقة برمّتها. وتجد الكويت نفسها، بسبب حجمها الخليجي ودورها المؤسس في مجلس التعاون، شديدة الحذر من منغِّصات الداخل ورياح الجوار.
وفي هذا الإطار، تتخذ الانتخابات الكويتية المقبلة أبعادًا أخرى، لا أذكر أنني عرفت بمثل دقتها وأهميتها منذ أن بدأت أتابع الشؤون الكويتية كصحافي قبل أكثر من نصف قرن.
ويُثلج الصدر أنه كلما تأمل المرء في صورة الكويت، يعثر دائمًا على الكثيرين من أهل العقل والتعقل، بحيث يغطّون صورة المغامرين والعابثين. الكويت التي عرفتها واحة من واحات الطمأنينة والازدهار، تدخل الآن في امتحان تاريخي. ولا أدري إلى أي مدى سيكون الناخب العادي على مستوى هذه الوقفة أمام المصير، في وقت لم يعد يسمح بالفولكلوريات الطائشة ولا بالطموحات الصغيرة، ولا بالقبليات الضيّقة. ويتمنى المرء أن يكون الخيار البرلماني هذه المرة في مستوى المؤسسة الأم وصدقها.