مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الشيخ هوايته (التفحيط)

سجل نظام (ساهر) مخالفات مرورية على الداعية السعودي (محمد العريفي) بلغت عشرين ألف ريال بالتمام والكمال، وسبب المخالفات هو السرعة الزائدة. وكأني بالشيخ لم يسمع بالحكمة القائلة: (في التأني السلامة، وبالعجلة الندامة)، وقبل ذلك لم يسمع بشيء يقال له: (احترام النظام)، حتى لو كنت شيخًا ودكتورًا وداعية (ملو هدومك أو جلبابك).
ويا ليته دفع، واعتذر وصمت، لأن الصمت في بعض الأحيان حكمة - على مبدأ: (يا زينك صامت) - ولكنه للأسف أخذ ينتقد ذلك النظام، قائلاً: إن (ساهر) ينقصه الكثير كي يوعي الناس، ولا أدري كم من الوقت يلزم الشيخ الداعية كي يعي أو (يفوق) على حاله؟!
ولكي لا يغضب علينا حضرة الداعية، سوف نرضيه بإيراد نماذج من البشر هم أشد تهورًا منه، أولهم فتاة في الإمارات، عمرها لا يزيد على (28) عامًا، وهي تشبه العريفي في افتتانها بالسرعة والمخالفات المرورية، فتراكمت عليها المخالفات حتى وصلت إلى ما يقارب الـ(مليون) درهم - أو إذا شئتم دقة أكثر، فقد وصلت إلى (927.865) درهمًا ينطح درهمًا.
وقد (كعت) المسكينة كل تلك المخالفات عن طيب خاطر، وأعجبتني شجاعتها الأدبية، إذ إنها لم تتذمر كفضيلة الشيخ، بل إنها قالت لرجال المرور وهي تشد على أيديهم، وتهز لهم وسطها: (الله يقويكم).
وهناك شاب خليجي، في إمارة (دبي)، أوقف كذلك بسبب السرعة، أو (التفحيط) - مثلما أوقف الشيخ - وسيارته من (لاندكروزر)، أو ما يطلق عليه اسم (أبو شنب)، ودفع عشر مخالفات مرورية دفعة واحدة، ومنها: قيادة المركبة بتهور، والتلوين الشامل للزجاج، والهروب من رجال الشرطة، وإطفاء الأنوار، وقيادة المركبة بعكس السير، والتجاوز من كتف الطريق، ودخول الشارع قبل التأكد من خلوه، ووضع المسجل بأعلى صوته الذي كان يصدح وقتها بأغنية رخيصة، هي: (رقصني يا جدع.. على واحده ونص).
عمومًا، قد نجد شيئا من العذر لفضيلة الشيخ، إذا عرفنا أن أحد موظفي شركة أو مؤسسة ساهر، الذي يكنى بـ(أبو محمد)، مطالب بدفع (18) ألف ريال غرامة مخالفات ارتكبها بسيارته الخاصة – و(ما فيش حد أحسن من حد) - وليطمئن فضيلته، وفوق العشرين أربعون إن شاء الله.
أما (السمارت) الذكي، فهو ذلك العربي المقيم بدبي الذي يسرق البطاقات الائتمانية، ثم يستخدمها في سداد المخالفات المرورية لأشخاص آخرين، مقابل خفض قيمتها، بعد أن استعان بوسيط لجلب زبائن له.
بقيت كلمة أخيرة أريد أن أهمس بها في أذن الداعية، قائلاً له: إن القيادة (ذوق وفن)، وهي تختلف تمامًا عن صعود المنابر، ولبس وتلويح المشالح، والإمساك بالمايكروفونات، وخطب التهديد والوعيد بأعلى ما أعطانا الله من الطبقات الصوتية التي جعلتنا فعلاً (ظاهرة صوتية).