حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حلب ستقوم من حريقها

أكاد أجزم، وكلي يقين، أن التاريخ لم يشهد مثيلا للجريمة المرعبة التي تحدث بشكل مستمر في مدينة حلب على أيدي قوات الأسد وروسيا والميليشيات الإرهابية من عينة «حزب الله» المجرم وغيره.
حلب تباد بشكل همجي حتى كتابة هذه السطور، لم يبق في هذه المدينة الكبيرة التي كان سكانها ذات يوم يتخطون الخمسة ملايين سوى مشفى واحد، وهو الوحيد الباقي بعد أن تعرض باقي المشافي إلى التدمير الممنهج الكامل.
هذا مع عدم إغفال الكم المهول من التهجير المنهجي لأهل المدينة، وسرقة مصانع رجال الأعمال فيها، وقيام قوات الأسد بفك مصانع بأكملها عن بكرة أبيها وإعادة تركيبها في مناطق أخرى أو بيعها للغير.
سقطت الأقنعة تماما وسط هذه المأساة وأخبارها، فمن الواضح جدا أن هناك ضوءا أخضر دوليا وعالميا لتدمير حلب تماما بكل الوسائل وبكل الأسلحة. الأسد يبيد المدنيين في حلب والروس يقصفون المدنيين، أما مجموعة «حزب الله» بزعامة الإرهابي الأكبر حسن نصر الله، الذي زعم أنه دخل سوريا لحماية المراقد (وهي خالية من أي منها بالمناسبة)، فلم نعد نستطيع عدّ أكاذيبه التي برر بها دخوله إلى سوريا.
حلب كانت بالنسبة للأسد البعد الحضاري لسوريا، بعد حضاري غريب على الأسد وعائلته ومن هم معه، فحلب كانت دوما مثالا للتعايش المثالي بين الأعراق والطوائف والأديان دون تمييز ولا تفرقة بشكل باهر وخاص.
كانت حلب معتزة بهويتها وشخصيتها، فكان من ينتمي إلى تلك المدينة يعرف بأنه «حلبي» أولا ثم سوري ثانيا وهو اعتزاز بعمق تاريخ المدينة التي من خلالها انطلقت أول مطبعة في المشرق كله، ومنها عرف العالم العربي والشرق الأقصى حلب باعتبارها «رابط» طريق الحرير التجاري القديم العريق. حلب كانت لها بصمتها الخاصة وشخصيتها الواضحة في كل شيء في تصميم المعمار المعروف بالحجر الحلبي والمطبخ الحلبي الغني بأطباقه والطرب الحلبي والقدود الحلبية واللهجة الحلبية نفسها بكلماتها الفريدة والمميزة.
حلب كانت إمارة مستقلة قبل قيام سوريا الحديثة، وبالتالي الحس الأبي المستقل الشامخ كان دوما ما يقف أمام الغزو الطائفي لآل الأسد وزمرتهم، وبالتالي كان هناك الثأر الدفين في قلب الأسد أبا وابنا لتدمير حلب والانتقام منها ومن أهلها، وهو ما يحصل الآن بشكل ممنهج ومخطط له.
إنه الانتقام الناتج عن الحقد الدفين والقديم. حلب التي قدمت أهم شخصيات قيادية وطنية حرة وشريفة من عينات إبراهيم هنانو، وناظم القدسي، ورشدي كيخيا ومعروف الدوالبي وغيرهم، وقدمت أهم النماذج الناجحة في الأدب والثقافة والفن من أشكال صباح فخري ومصطفى العقاد ووليد إخلاصي، تقدم اليوم الدم والروح قربانا لخلاص سوريا من «حكم الشيطان نفسه»، كما سماها أحد المراقبين.
حلب تباد بشكل منهجي على أيدي نظام الأسد، الأب والابن والعهد النجس الذي حكموا به سوريا، وينتقمون من حلب نتاج حقد دفين قديم. حلب قامت ضد زمرة الأسد في اعتداء بالكلية العسكرية فانتقم منها حافظ الأسد بحرمانها من المشاريع كافة، وحرمان أهلها من كل المناصب، ودفعت ثمنها باهظا، واليوم تدفع ثمنا أشد على أيدي الابن المجرم بشار الأسد.
حلب ستقوم من حريقها ومن ألمها ومن جراحها وسيعاد بناؤها، ولكن بشار الأسد مصيره إلى قمامة التاريخ عما قريب.