محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

مهرجانات عشوائية

كتب لي صديق من المخرجين الشبان يتساءل عما إذا كنت شاهدت الفيلم الذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان أقيم في بلد عربي. وقال ما مفاده:
«هل أنا على خطأ وهل أعيد مراجعة حساباتي؟ لقد اعتقدت أن ذلك الفيلم الفائز من أسوأ الأفلام التي شاهدتها أخيرًا ولا يستحق الجائزة التي نالها».
وشكواه محقّة وليست ناتجة عن أنه نافس على الجائزة ذاتها وخسرها، لأنه مخرج أفلام قصيرة، والفيلم المشكو منه هو فيلم طويل، ولكل مسابقته المنفصلة.
لكنه محق من حيث إننا، وللأسف الشديد، نمارس كثيرًا من أعمالنا على نحو يضر بما نقوم به ولا يفيد. هنا مهرجان يحاول أن يكون عالميًا فيخطئ في استقبال الضيوف مثلاً، وهناك مهرجان يريد أن يحتفي بالسينما العربية الجيدة فيقتصر على بضعة أفلام قديمة من عدد محدود من تلك الدول المنتجة. وذاك مهرجان يريد أن يكون محل ثقة الجميع، لكنه يعمد إلى الخلط بين ما أقيم من أجله وفي اختصاصه، واختصاصات أخرى لا علاقة لها به.
كل هذا وسواه مشكلة قائمة بذاتها، والاختيار شبه العشوائي لمن سيقرر منح هذا الفيلم أو ذاك مشكلة أخرى. طبعًا لا أقصد أن كل الاختيارات عشوائية، ولا أن كل رجال التحكيم الذين ينتقلون من مهرجان لآخر لا يفهمون في السينما، لكن هناك بالتأكيد من يعتبر السينما فعلاً تأتي في الصفوف الثانية أو الثالثة من اهتماماته. ولا يرى منها ما يكفي ليطلع على القيم الفنية التي تحملها ويحكم بمقتضاها.
الفيلم المشكو منه ليس حالة وحيدة ويتيمة، بل هي منتشرة وسببها أن الموضوع والحكاية يقفزان لدى كثير من أعضاء لجان التحكيم إلى أولوية اهتمامهم عوض الأسلوب البصري وحسن السرد والمقومات والعناصر الفنية في الأساس.
فإذا كان الفيلم يتحدث عن أزمة اجتماعية، فلا بد أنه مهم بصرف النظر عن مستوى ذلك الحديث أو إيفاء شروطه الفنية، وكذلك إذا ما تناول الفيلم حربًا هنا أو حربًا هناك وبكى قليلاً على هذا النظام أو ذاك، أو تاجر بصور الضحايا ومشكلاتهم على نحو من يريد إثارة القضايا، حتى من دون الحاجة لتأمين تلك الشروط.
بما أننا شعب عاطفي الإرادة والتربية في الأساس، فإننا نسمح بذلك من باب التعاطف مع المادة، وليس بتحكيم العقل بالنسبة للكيفية التي خرجت بها المادة إلى العلن. الفيلم الذي يستحق الجائزة ليس ذلك الذي «يطرح قضية» بل ذلك الذي يُحسن فنيًا طرح القضية. هو الفيلم الأكثر كمالاً ونجاحًا في تأمين عناصره البصرية والفنية، وليس الأكثر حدّة وصراخًا و«طرحًا».
وكم من مرّة سمعت، وقد شاركت في كثير من لجان التحكيم وترأست بعضها، من يطالب بالجائزة لفيلم لأنه «العمل الأول»، أو لأن الفيلم المنافس نال ما كفى من الجوائز. وكم حضرت مناقشات سعى فيها البعض، كلٌ لشد الجائزة حيال بلده أو صديقه، وغضب وطرق على الطاولة بقبضة يده، وهو يقول إنه ليس من المعقول أن تخرج سينما كذا من دون جائزة.
ألهذا الحد من الصعب علينا أن نمنح من يستحق جائزته بصرف النظر عن التحزبات والمصالح الذاتية؟ وهل يمكن لكثير من المهرجانات السينمائية العربية أن تعمد إلى حسن اختيار لجان تحكيمها فتتنافس على استقبال المؤهلين من مخرجين وممثلين ومنتجين ونقاد. أولئك الذين يعرفون قيمة الفيلم الجيّد وبعيدون عن التعصب والتحزب؟ إذا فشلنا في ذلك فهذه المهرجانات هي بالضرورة فاشلة.