علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

بئر ألمانية

كنت في زيارة مطلع التسعينات الميلادية من القرن الماضي لدولة مالي، واسترعاني بئر ارتوازية يشرب منها الأهالي الماء وتسمى «البئر الألمانية». كنت على علاقة بالقائم بالأعمال السعودية في باماكو عاصمة مالي وسألته عن هذه البئر، وتمنيت لو كان من قام بحفرها دولة خليجية، ضحك وقال حُفرت هذه البئر بأموال سعودية وسميت هذه البئر بالألمانية، لأن من قام بحفرها شركة ألمانية فقط، ومن هنا اكتسبت الاسم. ذهبت إلى البئر فإذا بلوحة صغيرة لا تكاد ترى توضح أن السعودية هي من حفرت البئر.
في هذه الأثناء، زار مالي رجل الأعمال عبد العزيز البابطين، ومعه المعلم عثمان الصالح والداعية عبد الرحمن السميط، الجميل في الأمر أنهم افتتحوا مدرسة ابتدائية بنيت على نفقة البابطين وسموها (مدرسة الأمير أحمد بن عبد العزيز الابتدائية) هذا الاسم وحده يكفي لتوثيق العمل والدلالة على من قام به.
كل هذه الذكريات تداعت لي حينما أنكر عفاش اليمن مساعدات السعودية لليمن وحصرها في طريقين، متناسيا أن من بنى مستشفى صعدة هي السعودية وقبل أن يولد، وأننا قدمنا كثيرا من المليارات في سبيل رفعة الشعب اليمني، ولكن يبدو أنها ذهبت إلى جيب هذا العفاش.
وهذا الأمر ليس خاصا بعفاش اليمن، فقد كنت في عام 1986 في دولة وثيقة الصلة بالسعودية وقد تبرعت السعودية بإنشاء خط مهم في الدولة، فانتظرت بحكم أنني إعلامي إعلان الخبر لأرى طريقة إعلانه. أُذيع الخبر في آخر أخبار نشرة تلفزيونية محلية تذاع عصرا، أي وقت المشاهدة الميت.
نحن في السعودية نقدم معونات اقتصادية وتنموية لدول كثيرة، فكيف نوثق مثل هذه المساعدات بطريقة يصعب إنكارها؟ أقترح في هذا السياق أن ترافق الحملة الإعلامية المشروع منذ بدايته مثل دراسة الجدوى، ونستضيف خبراء اقتصاديين من هذه الدولة للتحدث عن المشروع وجدواه ومثلهم سعوديين، وحتى خبراء محايدين، وأن نطلق على المشروع اسم شخصية سعودية بارزة أو اسما ذا معنى أو دلالة سعودية، وأن نوثق عمل المشروع منذ لبنة الأساس وحتى النهاية، وأن نحاول قدر الإمكان أن يكون المقاول المنفذ شركة سعودية، وأن نشغل المشروع بقيادات سعوديين لمدة عام على الأقل.
فمثلا، إذا كان المشروع مستشفى، نعين القيادات وبعض الأطباء وحتى بعض الممرضين سعوديين، لا سيما أن بعض الأطباء السعوديين لم يجدوا وظائف فنكون بهذا استفدنا من أمرين: توظيف سعودي وحفظ حقوق البلد منشئ المشروع.
دعاني لكتابة ذلك ما قام به عفاش اليمن من إنكار علني، وبوجه يفتقر للحياء والمروءة، لكل ما قدمته السعودية لأشقائنا اليمنيين. فأتمنى ألا تكرر تجربة الإنكار، ليس لفائض المروءة لديهم، ولكن لقدرتنا على التوثيق.