د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الجميع خاسرون من التصفيات العرقية

ما يحدث هذه الأيام من تصفيات عرقية باسم محاربة الإرهاب أمر مرفوض دينيًا، ويؤدي إلى انزلاق المنطقة العربية في حروب طائفية بغيضة لا نهاية لها.
فلقد اشتدت وتيرة الحرب الدولية ضد تنظيم داعش الإرهابي؛ حيث بدأت قوات التحالف الغربي بشن هجوم كثيف على الفلوجة في العراق وحلب والرقة في سوريا بدعم قوي من الولايات المتحدة بقصف طيران التحالف جوًا، بينما يشارك الجيش الطائفي في العراق بدعم قوي من الميليشيات المتطرفة (الحشد الشعبي) وميليشيات إيرانية بقيادة سليماني.. وقد تحققت بعض الانتصارات الميدانية المؤقتة في كل من العراق وسوريا، وهذا أمر متوقع ولا يختلف حوله، لكن الأمر المرفوض وغير المقبول بتاتًا هو تصفية السنة في العراق وسوريا وتهجيرهم وقتل الأبرياء منهم في البلدين. وسائل الإعلام العالمية رصدت حجم الجرائم والقتل التي يواجهها المواطنون العراقيون المدنيون في الفلوجة وغيرها.. فهؤلاء الناس محاصرون في الداخل من تنظيم داعش الإرهابي، ومن الخارج تحاصرهم الميليشيات الشيعية ممثلة في «الحشد الشعبي»، ويتم تصفيتهم أو الاستيلاء على أراضيهم بالقوة تمهيدًا لمخطط أميركي - إيراني لتمزيق العراق وسوريا.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير شن هجومًا قويًا ضد التدخل الإيراني في العراق ووجود قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في المعارك التي تدور حاليًا في الفلوجة، وشدد الجبير على أن الوجود الإيراني في العراق غير مقبول بأي شكل من الأشكال، مبينًا أن إرسال ميليشيات شيعية للعراق أو تدريبها لتلعب دورًا طائفيًا أمر غير مقبول بدعوة من حكومة العراق أو من غير دعوة.. إيران يجب عليها احترام مبدأ حسن الجوار، وأن تركز على أوضاعها الداخلية بدلاً من التدخل في شؤون الآخرين في سوريا.
قدم محمد علوش، كبير المفاوضين في المعارضة السورية، استقالته من المنصب احتجاجًا على استمرار الحصار لبعض المناطق في سوريا وتجويع الأطفال. مباحثات السلام أيضًا فشلت على الرغم من رعاية الأمم المتحدة لها. كما أن مخطط تمزيق سوريا مستمر بمحاصرة حلب والرقة؛ حيث تشن قوات التحالف هجومًا جويًا على الرقة، وتحاصر قوات «داعش» المواطنين الآمنين في الداخل.. مما يعني أن الجيش الحر يحارب «داعش» والنظام على جبهتي مدينة حلب والريف الشمالي.
السؤال الذي علينا طرحه هو هل يتحقق الأمن والسلام في كل من سوريا والعراق بعد دحض «داعش» والقضاء على كوادرها؟ الأمن والسلام ومحاربة الإرهاب لن يكتب لها النجاح لعدة أسباب؛ منها أن إيران والولايات المتحدة لا تريدان استقرار العراق وسوريا وأمنهما، فهما تسعيان إلى تمزيق البلدين من خلال دعم الطائفية ورفض الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب الواحد.. أيضًا ليس من مصلحة إسرائيل وأميركا الاستقرار في المنطقة.. وجميع الدول العربية ترفض إرهاب «داعش» وتحاربه، لكنها في الوقت نفسه ترفض تصفية السنة تحت غطاء محاربة «داعش».
ما شجع على انتشار «داعش» في العراق وسوريا هو تهميش السنة وإقصاؤهم وعدم احترام حقوقهم وإنسانيتهم؛ لذلك لا غرابة من انخراط بعض الشباب السنة في العمل الجهادي دفاعًا عن إخوتهم في العروبة والدين.
من المفارقات الغريبة أن تغض الولايات المتحدة النظر عن إرهاب الميليشيات الشيعية في العراق ممثلة بـ«ميليشيا بدر» بقيادة الإرهابي هادي العامري، و«عصائب الحق» بقيادة قيس الخزعلي، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.
المنظمات الدولية، ومنها «هيومن رايتس ووتش»، ذكرت في تقرير لها أن ميليشيات «حزب الحق» وميليشيا «حزب الله» شنت هجمات عشوائية، ونفذت العديد من عمليات الاختطاف والإعدام الميداني في منطقة حزام بغداد.. كما قدمت منظمة العفو الدولية في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 رصدًا كاملاً لجرائم الميليشيات الشيعية.
هذه الجرائم ترقى إلى جرائم حرب.. لماذا يغض المجتمع الدولي الطرف عنها خصوصًا جانبها الإرهابي؟.. واضح جدًا أن مصالح الولايات المتحدة والغرب السياسية تجعلهم يتبنون سياسات مزدوجة.
كتب الدكتور سلطان محمد النعيمي في مجلة «السياسة الدولية» عدد أبريل (نيسان) 2016 مقالاً عن التركيبة العمرية للمجتمع الإيراني أكد فيه أن الأزمة السكانية في إيران وانخفاض عدد الشيعة والمواليد الذين يشكلون ثلث الشيعة في العالم تثير مخاوف الحوزة العلمية في إيران وكبار علمائها، خصوصًا أن هنالك مخاوف من تزايد عدد السكان في المناطق التي تقطنها أغلبية سنية؛ حيث تشير المؤشرات إلى أن عدد الشيعة سوف يتحولون إلى أقلية خلال 30 عامًا.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدراسات تذكر أن عدد الشيعة على مستوى العالم من المتوقع أن يصل إلى ما بين 219 و285 مليون نسمة على مشارف عام 2030، وفي المقابل من المتوقع أن يزيد عدد السنة في العالم حتى عام 2030 نحو 600 مليون نسمة ليصل إلى 1.97 مليار نسمة، مما يشكل 87% من جملة مسلمي العالم. أما الشيعة فمن المتوقع أن يشكلوا عام 2030 نسبة 13% من مسلمي العالم؛ لذلك من مصلحة الجميع سنة وشيعة التركيز على المصالح الوطنية لبلدانهم بعيدًا عن زج الدين والمذهب في السياسة.
من مصلحة إيران وجيرانها التركيز على مصالح الشعوب وتنمية الاقتصاد؛ حتى تنعم شعوب المنطقة بالأمن والاستقرار.