عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

ماذا لو فاز ترامب؟

قصة أميركا مع دونالد ترامب، المرشح لانتخابات الرئاسة، عجيبة ومحيرة. فالرجل عندما دخل حلبة السباق كان ينظر إليه كمهرج لا يملك حظوظًا جدية في المعركة الانتخابية. الإعلام اهتم به وأعطاه مساحة واسعة لأنه كان يمده بعناوين صارخة، وتصريحات مثيرة للجدل، وللضحك والتندر أحيانًا. من جانبه أثبت ترامب قدرة فائقة على استغلال واستخدام الإعلام، بأن واصل تصريحاته الفظة، والمثيرة للجدل، رافضًا نصائح من طلبوا منه تعديل خطابه، وتشذيب تصريحاته، وتجنب الاستفزاز لكي يبدو «شخصية رئاسية» مقبولة. طريقته، التي قالوا إنها جزء من شخصيته المثيرة للجدل، نجحت في جعله في دائرة الضوء باستمرار، ومكنته من الحصول على وقت كبير مجانًا في وسائل الإعلام حتى قيل إنه لم يصرف دولارًا واحدًا من ثروته الهائلة في تمويل حملته الانتخابية.
اليوم، وبعد أن نجح ترامب في الحصول على الأصوات المطلوبة (1237 من أصوات المندوبين الذين سيشاركون في مؤتمر الحزب الجمهوري لانتخاب مرشح الحزب للرئاسة)، بدأ الناس ينظرون إليه بجدية ممزوجة بالدهشة من نجاحه المذهل في التفوق على كل منافسيه في الانتخابات التمهيدية، وعلى خصومه داخل الحزب، ومناوئيه الذين يعتبرونه خطرًا على الجمهوريين وعلى أميركا.
إذا اعتمدنا على قياسات استطلاع الرأي فإن غالبية الناخبين ينظرون بسلبية إلى ترامب وإلى المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. فالاستطلاع الذي أجرته شبكة «سي إن إن» التلفزيونية أخيرًا أشار إلى أن 56 في المائة من الناخبين ينظرون سلبًا إلى ترامب، مقارنة بنسبة 49 في المائة يرون هيلاري بعين سلبية. لهذا السبب فإن بعض المعلقين وصفوا الانتخابات الرئاسية المقبلة بأنها ستكون «سباقًا نحو القاع»، أي إن كل مرشح سيحاول إقناع الناخبين بأن الآخر أسوأ منه.
ترامب سيواجه بالتأكيد تصعيدًا في الهجوم الموجه ضده باعتباره شخصًا عبثيًا، وجاهلاً، وفاشيًا عنصريًا. فالرجل استعدى كل الأقليات تقريبًا، من السود إلى الأميركيين من أصول لاتينية، كما استفز النساء وذوي الاحتياجات الخاصة بالسخرية منهم والحديث عنهم بشكل غير لائق. وليس بعيدًا عن الأذهان دعوته لفرض حظر على دخول المسلمين أميركا.
لكن ماذا لو تمكن من تجاوز كل العقبات بما في ذلك سيناريو الانقلاب عليه من داخل الحزب الجمهوري، ونجح في الفوز بانتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟
أوباما قال قبل أيام إن عددًا من زعماء العالم الذين تحدث إليهم أخيرًا أعربوا عن قلقهم من ترامب وتصريحاته، ومن جهله بالأمور وبتعقيدات السياسة الدولية. هناك بالطبع من سيفرح بانتخابه مثل كوريا الشمالية التي وصفته بالحكيم ذي الرؤية الثاقبة، وهاجمت منافسته هيلاري «الباهتة». فالملياردير الأميركي كان قد دعا اليابان وكوريا الجنوبية للاعتماد على نفسيهما وتخفيف العبء عن أميركا قائلاً إنه لا يريد التورط في حرب بين الكوريتين. لذلك دعا أيضًا كوريا الجنوبية لأن تطور قنبلة نووية تردع بها جارتها الشمالية، وهو كلام اعتبرته كوريا الشمالية اعترافًا بقدرتها النووية.
روسيا أيضًا قد تفضل ترامب على هيلاري خصوصًا أنه أبدى إعجابه برئيسها فلاديمير بوتين وقال إنه يستطيع التعاون والتعامل معه بشكل جيد. وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان» البريطانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أبدى تعاطفًا مع التدخل الروسي في سوريا قائلاً إن بوتين لا بد أن يوجه غاراته نحو «داعش» لأنه لا يريد أن يصل التنظيم إلى روسيا. ترامب بدا ملتبسًا في تفكيره خلال تلك المقابلة إزاء كيفية التعامل مع الأزمة السورية قائلاً إن أميركا لا تحب بشار الأسد، قبل أن يعود ليدعو بلاده لوقف الدعم لأناس لا تعرفهم، في إشارة إلى المعارضة السورية.
عمومًا فإن ترامب يريد من أميركا وقف توفير غطاء للدفاع عن دول عربية أو دول مثل كوريا الجنوبية واليابان، لكي تتفرغ لمواجهة مشاكلها الاقتصادية وديونها. كما أنه دعا أميركا للتوقف عن محاولة بناء الدول الأخرى وتعليم الديمقراطية «لشعوب عاشت تحت حكم الديكتاتوريات قرونًا»، مشيرًا في هذا الصدد إلى فشل تجربة التدخل في العراق، وإلى ما حل بليبيا بعد سقوط القذافي.
الاستثناء الأبرز لترامب هو موضوع الدعم لإسرائيل، فهو يؤكد أنه إذا انتخب فسوف يقدم لها كل ما تحتاجه وتطلبه. ومن هذا المنطلق أيضًا أعلن أنه سيمزق الصفقة النووية مع إيران التي يراها من منظور التهديد لإسرائيل «ونحن يجب أن نحمي إسرائيل»، على حد تعبيره.
ترامب سيدير السياسة الخارجية بعقلية رجل الأعمال البارع في الصفقات والمفاوضات، كما وصف نفسه، لكنه أيضًا قد يتراجع عن معظم مواقفه وشعاراته الانتخابية إذا نال مطلبه في الفوز. فهو يعرف حسابات الربح والخسارة، مثلما أنه غوغائي محب للأضواء والضوضاء، وسجله مليء بالتناقضات والتراجعات عن التصريحات والمواقف. الحقيقة ببساطة أنه لا أحد يعرف كيف سيتصرف الرجل إذا انتخب رئيسًا، وهل سيلجم نفسه، أم سيبقى مهرجًا خطرًا.